إسرائيل تسرق فيروز

حسمت إسرائيل قرارها بالإستيلاء على الذاكرة العربية وثقافتها. فشل التطبيع في بعض الجوانب الثقافية، ليس عائقاً بالنسبة إليها. فالقرار بالإستيلاء على الثقافة العربية، إتخذ، ولو إغتصاباً، في غياب قوة تحمي الثقافة، وغياب عدالة دولية تحمي وتصون. و”إذا كانت إسرائيل سرقت بلداً، فهل ستعيقها سرقة أغنية؟”، يقول معلق في صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” في فايسبوك، تعليقاً على المشروع الإلكتروني لفرقة “توركواز” العبرية، الذي وصفته الصفحة بأنه “مشروع مميز، هو الأول من نوعه، يضم تسجيلات مترجمة لأغاني الفنانة اللبنانية الأسطورة فيروز”.

ولا تخرج سرقة أغاني فيروز، بكلماتها وألحانها، عن سياق المساعي الإسرائيلية للإستحواذ على الجوانب الثقافية العربية، بكافة تفرعاتها. في العام 1982، حملت المروحيات الإسرائيلية أحجاراً أثرية من مواقع أثرية في جنوب لبنان، قبل نقلها الى الأراضي الفلسطينية المحتلة. كانت تلك بداية الإستحواذ، وبداية مشروع تعمل إسرائيل على تطويره يشمل الجوانب السياحية والمالية والخدماتية، وصلت هذا العام، بعد عقود ثلاثة من العمل، الى مستويات متضخمة، وتطور بعضها الى أكثر من 400 في المئة. وبالطبع، كان الإستحواذ على الجوانب الثقافية العربية حاجة لتطوير تلك القطاعات الخدماتية، وصولاً الى الإستيلاء على الموسيقى التي بدأت من ترجمة أغنيات أم كلثوم الى العبرية.

في الفيديو الذي نشرته “توركواز”، يحيط عازفا غيتار وعازف “درامز” بمغنية إسرائيلية تحمل آلة الفلوت. تتمايل على وقع عزف إيقاعي محدّث لألحان شرقية وضعها الرحابنة لأغنيات أدتها فيروز. وتبدأ بعزف مقدمة “سألوني الناس”، قبل أن تؤديها بكلمات عبرية. وتنتقل من المقطع الأول الى أغنية ثانية، لا نستطيع فهمها. فمقطع الفيديو المشار إليه، هو واحد من ثلاثة مقاطع صورتها فرقة “توركواز” وحملتها في “يوتيوب” منذ خريف العام 2013، إحداها بقيت باللغة العربية (يا كرم العلالي) وتؤديها المغنية الإسرائيلية. لم تحصد نسبة مشاهدة عالية، بحيث لم تتخطَ، خلال عام، الألفي مشاهد. لكن الصفحة الإسرائيلية التطبيعية، تروج للفرقة منذ أول من أمس، من ضمن أخبار تشير فيها الى أن العرب والإسرائيليين يتشاركون في قضايا كثيرة، ومتوحدون في الرياضة والفن والطبابة!

“توركواز” (ومعناها حجر الفيروز)، كما تعرف عنها صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”، أنشأتها المغنية وعازفة الناي داليت فريدمان، العام 2012. وهي من خريجي ستوديو “بيل كانتو – فن الغناء الأوبرالي”، بمشاركة عازف الغيتار أورن إليعزري، وهو من مؤسسي فرقة “ماشينا” الإسرائيلية المعروفة. وينتمي إلى عضوية الفرقة عازف الكونترباص عوديد أدار، والطبال وروبي بن عزرا.

لا تقول إسرائيل، وصفحتها الدعائية بالعربية في “فايسبوك”، إن فشل التطبيع مع اللبنانيين، أو الشعب المصري، أو الموسيقيين العرب، دفعهم لاغتصاب ثقافتنا، كما الأرض. تحيل القضية الى الملعب العربي. تقول: “تواصل الثقافة العربية تغلغلها في الثقافة العبرية وأيضا في الذوق العبري، وهي تفعل ذلك شيئا فشيئا ولكن بانتظام. هناك من يعتقد بأن التقارب الثقافي يبشر خيرا للمنطقة ويدل على استعداد الإسرائيليين للاندماج في الجوار الثقافي ولو جزئيا. فبعد تعرف الجمهور الإسرائيلي على أم كلثوم وإقدام العديد من الفنانين الإسرائيليين على أداء أغانيها وبلغتها الأصلية، أتى الدور على فيروز، وإن كان بالترجمة العبرية هذه المرة”.

ويحيلنا التركيز على فيروز، الى الهدف الإسرائيلي غير المعلن. فإسرائيل تمتشق الأبرز في ذاكرتنا. باعترافهم أن فيروز، وهي سفيرتنا الى النجوم، الأكثر تأثيراً بين الفنانين اللبنانيين في العالم العربي. عدا عن رمزية أغنياتها، مثل “زهرة المدائن” التي تبتلعها إسرائيل، كما إحدى أغنياتها “خبطة قدمكم” التي كانت كلمة سرّ الجيوش العربية لإطلاق حرب أكتوبر 1973. وعلى أي حال، يقترب إحتلال الأرض الى احتلال أغنيات فيروز، بدليل ما ينشره الناطق باسم جيش الإحتلال أفيخاب أدرعي من مقاطع “يوتيوب” لأغنيات فيروز في صفحته الناطقة بالعربية.

إسرائيل تضرب ثقافة العرب الموسيقية في الصميم، مثلما بدأت بأغنيات أم كلثوم. وهنا لا نتحدث عن أغنيات أخرى تُرجمت الى العبرية، مثل “تي رش رش” أو غيرها من الترهات الموسيقية. لكل منها وظيفة مستقلة. الأخيرة تُلعب في المرابع والعلب الليلية، فيها أغنيات فيروز تخاطب العربي الذي يتحدث العبرية، على قاعدة “التذويب التدريجي” في البوتقة الثقافية العبرية.

والمشروع إلكتروني، بهدف زيادة التأثير، ويضم تسجيلات مترجمة لأغاني فيروز. وتتصدر المشروع أغنية “سألوني الناس” واسمها المترجم للعبرية “شاءلو أوتي”، كما تقول صفحة “إسرائيل تتكلم العربية”. وهي صفحة ترويجية، تصوّر إسرائيل دولة محبة للعرب، عبر نشر تقارير تظهر، إدعاءً، بأن العرب يلجأون الى اسرائيل، ويتقاسمون معها نشاطات الرياضة وجوانب الحياة الإنسانية!

السابق
الائتلاف السوري يدعو لتحرك ضد الاسد
التالي
30 إمرأة يترشحن إلى الانتخابات: تسجيل موقف