وصلت المافيات الى القمامة ايضا!

يقترب من مستوعب القمامة، بملابس رثة، ووجهه ممعنٌ في التعب. تشد انتباهه الاكياس المقفلة، يبدأ تمزيقها بسرعة وكأنه في سباق او خوفٍ من احد ينافسه عليها.

يعبث بمحتويات الكيس، يقلبها بيد خبيرة، فتعرف عما يبحث، يجد بعض الاشياء، يكومها بجانب المستوعب، يتخلص من الكيس الممزق يرمي به بعيدا عن الاكياس المقفلة، ليس مهما اين يسقط، المهم الا يعيق عليه طريقه في البحث عن الرزق.

تفوح الرائحة الكريهة في وجهه، لا ينزعج ولا يتأفف.. اعتادها كما انفاسه… ولا يعنيه ان لوّث الشارع او البيئة المحيطة به.

هذا المشهد يثير حفيظة المارَّة، ينظرون بألم وشفقة الى من يعبثون في مستوعبات القمامة، وفي اعتقادهم ان هؤلاء جياعاً يبحثون في القمامة عن شيء يأكلونه. فيلعنون الظروف التي أدت بهؤلاء المساكين الى هذا المصير.

يلتقطون لهم الصور خفية، وكأنهم حصلوا على سبق انساني، تنتشر هذه الصور على صفحات الفايسبوك “تقوم القيامة ولا تقعد” اذا نُشرت صورة لاحدهم ظاهر الوجه، يعتبرونها اهانة للانسانية جمعاء.. يرتفع ضجيج  نشطاء الفايسبوك، ويثورغضب الجمعيات التي تستجدي جمع المعونات باسم الفقراء.

لو نظرنا جيدا لعرفنا حقيقة ما يحصل، لم يعد في الارض انسان يموت من الجوع، وان هؤلاء الباحثين في القمامة ليسوا جياعا بل عمال يعتاشون من هذا العمل الشاق كأي عمل آخر، النسبة الكبيرة منهم من الاطفال وكبار السن يتم تشغيلهم واستغلالهم من قبل بعض الاشخاص الذين يسيطرون على المستوعبات، مدعومين من جهات حزبية في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.. فكما لمولدات الكهرباء، والستالايت، والانترنت، وغيرها مافيات، للقمامة ايضاُ مافيات.

حول كل مستوعب في شوارعنا، تنتشر الروائح الكريهة خاصة ايام الحر وتتكاثر عليها الحشرات، تصبح مرتعاً لانتشار الامراض، العابر بالقرب من المستوعب يدوس على القمامة وتخنقه الرائحة.

احد اصحاب محال الاجبان والالبان الذي وُضعت قرب محلّه مستوعبات نفايات، قال لاعناً البلد والمسؤولين: “بلد فلتان، نعاني من هذا الوضع الكريه وليس بمقدورنا الوقوف في وجه احد ولا نريد المشاكل”.

“الويل لمن يقترب من مستوعباتنا، فالمعلم يقطع رقبته، الكل يعرف حدود مستوعب الاخر ومنطقته..”. هذا ما قاله احد العمال. واجاب لدى سؤاله عما يجدونه وله فائدة  في القمامة؟ وماذا يجنون من المال لقاء عملهم هذا؟، فاجاب:

“نجمع التنك والبلاستيك، والكرتون، واحيانا نجد بعض النحاس في قطع كهربائية تالفة، وايضا نجد ثيابا واحذية واشياء كثيرة نستفيد منها ببعض الليرات مثل زجاجات عطر فارغة نبيعها لمحلات العطور. مؤكدا انه “امس بعتُ حذاءاً بخمسة الاف ليرة الحمدلله نعمة”.

“المعلم اعطانا سكن بجانب “البورة” التي يتم فيها جمع ما يأتي به العمال، عددنا بالعشرات، هم يوصلوننا ويوزعوننا على اماكن العمل”.

واردف قائلا: “آخر النهار نعود بما ثقل وزنه، وقل ثمنه، يعطوننا ثمن الكيلو مئة ليرة، الواحد منا يجمع يوميا بين خمسين وسبعين كيلو.. نحملها الى مكان يسمى “بورة”. يباع اطنان من هذه المواد بأضعاف ما اشتروها منا الى شركات تعيد صناعتها.

وماذا يمكن ان يؤمن لك هذا المبلغ، هل يكفيك ثمن طعام؟ هل يشتري لك دواء اذا اصابك مرض؟

يرد قائلا: “نحن بشر نعيش ليومنا فقط، لا نفكر في المستقبل، نسلم امرنا لله وهو الشافي.. اولادي واولاد اخوتي وكثير من اقاربي، كلنا نعمل كلنا في هذه المهنة”.

من المسؤول عما يجري؟ ولماذا تصمت البلديات على هذه الكارثة البيئية التي يتسبب بها بعض المتزعمين؟

والصرخة التي نطلقها من على هذا المنبر: من ينقذ هذا المواطن المغلوب على أمره؟؟

 

السابق
شواطئ فرنسا وموضة الاحتشام!
التالي
من يهدد السوريين في برج حمود؟