اكبر عملية تزوير لـ«الشهادة الرسمية» في لبنان

أدى انتشار الفساد في كامل الدولة اللبنانية ومؤسساتها وغياب أي رقابة وترديّ الاوضاع الامنية ودخول البلاد في حكم الفراغ والضياع السياسي، أي بمعنى دخول “الحابل بالنابل”، الى انتشار الفوضى الامنية في الداخل اللبناني وظهور “مافيات” وعصابات من كافة الانواع و”الاختصاصات”، بدءاً من جرائم القتل والدعارة وصولاً الى السرقة والتزوير.

ولعل آخر فصول هذا الاجرام المستشري، ما هو أخطرها على الصعيد الاجتماعي “تزوير الشهادات”، سواء الرسمية او الجامعية لما فيها من تأثير وانعكاس سلبي على مستقبل البلاد. فكانت “الشهادة اللبنانية” على موعد مع ضربة جديدة، تضاف الى تلك التي تلقتها بعد قرار وزير التربية الياس بو صعب باستبدالها بافادات مهدداً بذلك مستقبل وطن وكيان دولة سيقوم، بسببه، على “كذبة”، بحيث باتت مصداقيتها تُهدد من قبل أحزاب وحركات سياسية تدعم مجموعات وعصابات تعمل على تزويرها وبيع وهم “النجاح” لاشخاص أرادوا سلوك الطريق السهل لتأمين مستقبلهم.

وبالتالي فان المسؤولية تتوّزع في هذا الاطار، على الدولة عموماً والفوضى المستشرية ضمن أروقتها واداراتها، وعلى وزارة التربية خصوصاً لما لها من دور اساسي في ضرورة محاربة هذا الفساد ومراقبة مستقبل الاجيال الصاعدة في البلاد. فقد لوحظ، في الاونة الاخيرة، ظهور عدد من الاعلانات المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي، الا ان من بينها اعلاناً يعرض “بيع الشهادات الرسمية” للطلاب أثار الريبة.

وتبين لاحقاً ان وراء هذا الاعلان، “مافيا على الاصول”، في عمليات تزوير الشهادات الرسمية وافادات العمل والسكن وتسهيل معاملات الحصول على قروض من المصارف وغيرها، مرتاحة في عملها العلني، غير آبهة بالدولة او بالاجهزة الامنية، علماً منها انها مغطاة سياسياً.

وقد دفعت هذه الريبة بأحد المخبرين لدى القوى الامنية الى متابعة خيوط القضية، فما كان من هذه الاجهزة سوى رسم خطة محكمة ودقيقة لاستدراج صاحب الاعلان من خلال مراسلات عبر حسابه الخاص على موقع “فايسبوك” تحت اسم “مازن سلوم”، والذي من المرجح ان يكون وهمياً، حصلت بينه وبين “المخبر”. وقد شرح “مازن سلوم” انه يستطيع تأمين اي شهادة رسمية، سواء مدرسية، والتي تبلغ 4000 دولار او جامعية والتي تبدأ من 7000 دولار، من خلال تأمين شهادة رسمية “شرعية” 100%، لافتاً الى انه يؤمن اي شهادة لاي عام دراسي او جامعي، حالي او سابق، حسب الطلب.

وطلب “مازن سلوم” من “المخبر” تأمين مبلغ 4000 دولار على دفعتين، في اطار سياسة يعتمدها مع زبائنه، فتم تحويل مبلغ 300 دولار، كدفعة اولى الى “المزوّر”، عبر الـOMT لصالح شخص يعمل لدى “مازن”، حسب ادعاء “الاخير” ويدعى علي عبد الله.

الا ان مشكلة طرأت على العملية، حين تخلّف “المخبر” عن دفع كامل المبلغ (وذلك وفقاً للخطة المرسومة)، فما كان من “مازن” سوى ارسال عدد كبير من رسائل التهديد والوعيد والتصعيد الكلامي، من حسابه وعدد من الحسابات الوهمية الاخرى، مدعياً ان القضية باتت في عهدة عمه (والد زوجته) كمال سلوم، المقدم في قوى الامن الداخلي، مهدداً، لسخرية القدر، “المخبر” بسجنه في سجن روميه بتهمة “التزوير”، ليتأكد فيما بعد عدم وجود ضابط في قوى الامن باسم “كمال سلوم” برتبة مقدم، وبالتالي اعتمد “مازن” هذا الاسلوب لمزيد من التهويل والضغط على “المخبر”. كما تضمنت الرسائل دعوة من “مازن” لـ”المخبر” لمقابلته شخصياً وتبادل الشهادة ببقية المبلغ.

ولدى تخلف “المخبر” عن حضور الاماكن التي اقترحها “مازن” للقاء، اتصل به هذا الاخير مستوضحاً سبب غيابه، من الرقمين ***70680، والمسجل حسب تطبيق “Truecaller” باسم M. Jaafer، و***03058 المسجّل باسم M. Abbas. وبعد اصرار “المخبر” على التأكد من انجاز “شهادته”، أرسل “مازن” صورة نصفية عن شهادة تؤكد نجاح “المخبر” وتبين عن اتقان واحترافية في التزوير وتطابق الشهادة الاصلية بنسبة 100%.

وتطورت الاحداث، الى ان تمكن “المخبر” من الحصول على رقم أرضي من “مازن” لتبرير غيابه، كون الاتصالات الخلوية مراقبة، فزوّده، تباعاً، بالرقمين ***01956 (مقسم 720 ..– 729..) و***01981 (مقسّم 716*)، مدعياً تمضية الوقت لدى صديق له. وتبين لاحقاً ان الارقام تعود الى وزارة المالية.

وقد حصلت هذه الاتصالات في أوقات مختلفة من النهار، على ايام عدّة، بالتزامن مع تبادل للرسائل عبر “فايسبوك”، نتج عنها اتفاق ينّص على ارسال “مازن” صورة عن هويته ليتم تحويل بقية المبلغ، بحجة ان “المخبر” متواجد في الوقت الراهن في ايطاليا، والقوانين تستوجب ابراز هوية “المرسل اليه” قبل ارسال اي مبلغ. وبالفعل أرسل “مازن” صورة عن هوية ادعى انها تعود لموظف يعمل لديه، يدعى م. علي م. جعفر، والدته ف. اسماعيل، وهو من مواليد 6/4/1993، رقم السجل *195. الا ان “المخبر”، ووفقا للخطة المرسومة، تخلّف عن الدفع، بحجة عدم امتلاك المبلغ كاملاً وهو خارج البلاد، فتم التوافق بين الرجلين على لقاء نهائي تتم خلاله عملية التسلم والتسليم، للشهادة والمبلغ الذي تقرر ان يكون 4000$ بدل 3700$، كنوع من الاغراء نفذه “المخبر” لاستدراج “مازن” ، الذي رفض الحضور شخصيا “لدواع أمنية” وأرسل بالتالي شخصاً بديلاً عنه.

وكان الخميس 4 ايلول 2014، اليوم المنشود للقاء، وذلك عند الساعة الثانية عشر ظهراً في منطقة الشياح، حيث نفذت قوة من شعبة المعلومات في مفرزة بعبدا كميناً محكماً. وبالفعل حضر الرجلان، وكان المخبر حاملاً مغلفاً يحمل “الاموال الوهمية المطلوبة” و”الشخص البديل” حاملا الشهادة.

وبعد تبادل كلمة السرّ، وتأكد “المخبر” من صحة “الشهادة” التي أصدرت بإسمه ووفق طلبه مرفقة بـ3 نسخات مصدقة وممهورة بختم وزارة التربية وفقاً للقوانين. وفي لحظة التسلم والتسليم، تدخلت عناصر شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي والقت القبض على “حامل الشهادة” لحظة استلامه المبلغ المتفق عليه، وساقته للتحقيق معه، بهدف كشف ملابسات القضية كاملة والتوصل الى كافة اعضاء الشبكة والعصابة المسؤولة عن عملية التزوير.

وقد ادت التحقيقات مع المتهم الى توقيف 3 اشخاص تم اثبات تورطهم ضمن الشبكة نفسها.

وفي انتظار كشف الرؤوس المسؤولة عن هذه العصابة وغيرها من مافيات التزوير التي تسرح وتمرح في لبنان، من دون حسيب او رقيب، في ظل انتشار الفوضى السياسية والامنية في البلاد، ووسط تأمين الحماية السياسية والغطاء السياسي لهؤلاء من قبل رجال او احزاب يعتقدون انهم “الدولة”، نسأل: “هل سيتم ملاحقة حاملي هذه الشهادات الرسمية المزورة”؟ فكم من طبيب أخطأ بحق مرضاه بسبب عدم كفاءته “الشهادية” أو مهندس تسبب، من خلال شهادته المزورة، الى مقتل العديد نتيجة انهيار مبنى عمل على تشييده؟ وغيرها من مهن واعمال تؤثر على حياة اللبناني.

وكأن اللبناني لم يعد يكفيه همه الامني والاقتصادي، فها هو الهاجس الاجتماعي يضرب مستقبله، مهدداً وطناً باكمله.

 

السابق
السعوديون قادرون على سحق داعش
التالي
الجيش بدأ بفصل بلدة عرسال عن المنطقة الجردية