THE GODFATHER

كيف يتمّ استعمال الخطاب الايديولوجي والفصيح البعيد عن الحياة اليومية لتجييش الجماهير وزيادة التبعية؟ The Godfather يجيب على السؤال... كم هم أغبياء أعداؤنا من الصهاينة والأمريكان حين يتباهون بترسانتهم النووية، ويخافون من امتلاكنا قليلاً من الصواريخ والذخائر، يغفلون حقيقة أننا نملك لغةً قديمة صلبة جامدة تأسر العقول والقلوب، لغة فصحى تردد وترتل وتنشد ببيانٍ وبلاغة لامنطقية وتحفظ إستظهاراً...هكذا نستمر ونستقر عزيزتي.

هاتي المقص يا زوجتي الفاضلة. لحيتي الكثة بحاجة إلى تهذيب، لا أنكر ترددي في بت ِ أمرها لما لها من آثار نفسية جمّة على المشاهدين. بإمكاني مثلا ً تحريض الجماهير على الثورة والخضوع- في آن -من خلالها. يجب أن أختلي بنفسي لبعض الوقت، البروڤا من دعائم النجاح الأساسية، راقبيني وتعلمي الطريقة الراسبوتينية في التنويم المغناطيسي.
أمامي كاميرا وخلفها شاشة عملاقة، سأصوّب نظري بدقة في عين الكاميرا/المتلقي وألوح بيدي ثم أرفع سبابتي وأضعها نصب أعينهم جميعا ً، الحلفاء قبل الأعداء وأبدأ باستخدام مجموعة من الأصوات والرموز، لا هي جملٌ بسيطة ولا تامة. مجرد كلام مقولب، “مفصحن” من فصيح، مكرّر إلى حد التملل، بعيد عن الحياة اليومية الواقعية.
لا يجب أن يخفى عليك يا زوجتي الفاضلة أن الجماهير لا تعرف ‘القراءة’، هم أميّون أو أشباه متعلمين لا يملكون وسائل النفوذ والممتلكات المتميزة اللغوية… فأنا سيد اللغة والخطابة التي تعبر عن الفكر الإيديولوجي العميق المتصلب، لغتي تنزع إلى التفكير بذاتها فتشل تفكيرهم. فصاحتي ساحرة وهم المسحورون، ايماءاتي قضبان حديدية تسجنهم وكلماتي انشودة من الترانيم الملحنة تبهج الحاضرين لكأنهم في حضرة صوت عبد الباسط عبد الصمد.
أحتاج إلى كوب ٍ من الماء إلى جانبي كي أنتقل بسلاسة إلى وعي الجماهير فأنثر بعضاً من الكلمات العامية المضحكة، إعلمي يا زوجتي أن العامية لغة أطفال، لغة محكية، وطنها العموميات، غير قادرة على النقد والتفكير بذاتها… وأنا أمتلك سحر اللغة وسلطوية اللغة الفصحى للتعبير عن اللاعقلانيات وإثارة التوهم وخلق الأجواء التي توحي بالخلاص والسعادة بحضرة الله سبحانه وتعالى. الجماهير تخشع لله عز وجل بواسطتي يا عزيزتي.
لقد إستحق جبران تويني القتل، ليس لسببٍ سوى أنه وعى دور القراءة في تحرير الفكر والإدراك وفقا ً لهذا التسلسل: القراءة، التأويل، الفهم، النقد… إستحق النفي الجسدي حين أدرك الهم ّ الأساسي لنظامنا الذي يبغي حماية نفسه من التأويلات والتفسيرات النقدية… وعى ذلك بقوله: أنتم كالغنم. لا يمكننا يا صغيرتي أن نفتح أبواب السؤال. السؤال خطير جداً لأنه يحرض السائل على الشكوك التي تعتبر عدونا اللدود. في النهاية يجب أن نوصد الألسنة بإحكام كي “لا يفلت الملق” كما يقول المثل الشعبي.
الشريرة خاطبت المرآة السحرية قائلة: هل يوجد أجمل مني. أجابتها المرآة السحرية: نعم، بياض الثلج… أمر مضحك، ولكن تلك كانت قصة خيالية…أسألك ِ يا زوجتي ومرأتي الفاضلة هل يوجد رجل ٌ يضاهي فصاحتي؟! لا حاجة لك ِ بالكلام، فأنا أعرف الجواب مسبقاً ولهذا السبب بالذات أرفض الحوار… لا أحبّذ فكرة الجلوس على طاولة مستديرة والإستماع لأراء الآخرين لذا أفضل الشاشة والكلام المونولوج حيث أنني أتلذذ بالحوار مع نفسي، أستثني الآخرين وأتجاهلهم فهم لا يملكون بلاغتي… كيف يمكن عندها أن تتحاور الفصحى مع المحكية!!!
إسمعي هذه الجملة الجميلة التي ألفتها البارحة: أنا فقرٌ محض، أنا عوزٌ محض، أنا ضعفٌ محض، أنا ذليلٌ محض. هذه هي المعرفة الحقيقية وبها أثبت الوقائع وأنال الموافقة دون خلاف ٍ في الرأي أو تساؤل أو تحفظ أو تعديل أو شك أو تردد… الجماهير تهتف باسمي، أنظري كم يبجلونني وكم هم واثقون مني كأنني الوحي.
لقد فقدت إبني، هذا صحيح. لكنني أجد العزاء بهؤلاء الجالسين المقرفصين على الحصير بلا أحذية كطلاب في الحضانة، مستمعيون غير نابهين. أشعر بالأبوة بكل ما تحمله من مسؤولية وعلاقة تبعية..الطفل حين ينزعج يثرثر ويغتاب ثم يلوذ بالصمت ولكننا رغم ذلك نحب أطفالنا. الفرق الوحيد أن الطفل يعرف أسرار المنزل وأما هم فغير قادرين على التهجئة. لذلك أنا قبلت نيابتهم نيابةً عن أنفسهم وذواتهم ومصالحهم… أطفالي يسمعون الكلمة لأنهم أطفال بريئون سذج بعكس الأطفال الآخرين المشاغبين المتمردين.
حقا ً كم هم أغبياء أعداؤنا من الصهاينة والأمريكان حين يتباهون بترسانتهم النووية، ويخافون من امتلاكنا قليلاً من الصواريخ والذخائر، يغفلون حقيقة أننا نملك لغةً قديمة صلبة جامدة تأسر العقول والقلوب، لغة فصحى تردد وترتل وتنشد ببيانٍ وبلاغة لامنطقية وتحفظ إستظهاراً…هكذا نستمر ونستقر عزيزتي.
ناوليني حبة بانادول، رأسي يؤلمني.

السابق
حزب الله اشترى «السان جورج» وجعلها «الرسول الاعظم» (1/3)
التالي
تايمز: اسرائيل تتحضر لشن حرب عنيفة ضد حزب الله