حزب الله يبعد النساء عن مؤسّساته.. فهل يحكمنَ الحزب؟

لماذا استبعد حزب الله النساء عن مؤسساته؟ لأسباب مالية؟ أم سياسية أم عقدية؟ لا أحد يعلم. السؤال رهن الأيام الآتية، لما سيُنتج هذا القرار من ردّات فعل قويّة لديهنّ، ومن تأثير على البنية الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه الحزبيّ.

في قرار لا تزال أسبابه غير مؤكّدة، علمت “جنوبية” انّ حزب الله قرّر إبعاد المرأة عن العمل في مؤسّساته. ولا يزال سبب هذا القرار غير معروف الاهداف. لكنّ الأرجح أن تكون أسبابه مالية فقط.

فالحزب، وبحسب مطّلعين، يرفضون الإفصاح عن اسمائهم، يعيش حالة من عسر مالي شديد سببه المشاركة في الحرب السورية، لما لهذه المشاركة من تبعات مالية ضخمة ومصاريف اضافية لم تكن في الحسبان، إضافة الى مدفوعات تكاليف عوائل الشباب الذين يسقطون على ارض المعركة. فالحزب، كما هو معروف عنه، لم يتخل يوما عن عوائل الشهداء، شهداء الجهاد ضد اسرائيل، وإن كان بعضهم من جهات حزبية أخرى مساندة له وليست في جسده التنظيمي، مثل بعض عوائل شهداء حركة امل او البعث السوري او غيرهم. فهو كان ولا يزال يتبنّى أبناء هؤلاء الشهداء بهدف الاستمرارية في خطّ مساندته، وان كان هذا التبنّي يكون عادة عبر دفع تكاليف مالية أقلّ من تلك التي تحصل عليها عوائل شهداء حزب الله نفسه.

لكن مؤخّرا، بعد سقوط عدد كبير من الشباب في القتال بسورية، يتكفّل الحزب ايضا بمصاريف ذويهم وابنائهم وذلك عبر تبنيّهم في كلّ نواحي حياتهم، من تعليم وطبابة وتوظيف وتكفّل بالأطفال ومصاريف إقامتهم وعيشهم.

وفي العودة إلى أسباب منع توظيف النساء في مؤسّسات الحزب فإنّه يتردّد أنّ ميزانية الحزب من ايران قد تقلّصت وانخفضت كثيرا بسبب تحويل بعض المخصّصات إلى تسليح الجيش السوري ودعمه في حربه المستمرة منذ 2011، مقابل الأموال الطائلة التي تُصبّ على المقاتلين الآتين من الدول العربية، في مجموعات المعارضة السورية على أنواعها.

هذه الحيثيات الواقعية دفعت حزب الله الى اتخاذ قرار جريء، قد يُحسب عليه، الا وهو منع توظيف النساء، مهما كانت خبراتهنّ وشهادتهنّ وعلومهنّ، في مؤسساته توفيرا لفرص عمل للشباب وللرجال الذين هم غالبا ركيزة المجتمع المحلي، والذين تعتمد الأسرة عليهم حتّى بعد وفاتهم، كما هو حال كل عسكري في اي جيش نظامي في العالم.

فالمرأة تُعتبر المصدر الثانوي للدخل في الاسرة العربية والاسلامية. وبحسب الشرع الاسلامي عند الشيعة فليس من واجباتها المساهمة بأيّ قرش في مصروف الاسرة. وفي حال تم ذلك يجب اعتباره دينًا في رقبة زوجها. هذا من الناحية النظرية طبعا لأنّ المرأة العاملة هي العامود الفقري الاقتصادي الثاني في كلّ أسرة.

مع العلم أنّ القطاع التعليمي في حزب الله يقوم على العنصر النسائي كون المرأة اساس العملية التربوية، خصوصا في الاقسام الابتدائية والمتوسّطة والمهنية، كما في المؤسسات الاجتماعية.

وما يحزّ في النفوس ان الخريجات الجامعيات المؤيّدات لحزب الله أعدادهنّ هائلة، لأنّ مجتمع الحزب يشجعهنّ على التعلم من اجل خدمة الحزب فيما بعد. فحزب الله، وإن كان يعتمد على العنصر الشبابي الذكوري، المعرّض للاستشهاد دوما، يشجّع الفتيات على الدراسة الاكاديمية. والدليل هو أعداد الشهداء الخرّيجين الذين استشهدوا في حرب تموز 2006 وفي المعارك السابقة واللاحقة منذ العام 1983. وقد بلغ عدد الخرّيجين سنتها حوالي ألفي شهيد، منهم عدد كبير من الجامعيين.

والإشكال الذي خلقه قرار منع النساء من العمل داخل مؤسسات الحزب يطرح استفسارا وهو: إلى اين ستّتجه هؤلاء الخرّيجات؟ ومن سيوظفهنّ؟ فالشلل في القطاع النسائي سيفرض عليهنّ ربما تغييرا في بعض التوجهات السياسية والاجتماعية مع مرور الوقت، طلبا للتوظيف، مما قد يؤثّر على البنية العقدية والثقافية داخل الحزب.

فالأخوات كنّ على الدوام خزّان الحزب في التظاهرات والاعتصامات، مرورا بالعمل الاجتماعي والديني والاسري، إلى درجة أنّ المفكر كريم مروة اعتبر في أحد الانشطة الثقافية أنّ “نساء الحزب افضل من رجاله”.

هذه الازمة الاقتصادية قد تتبدّل في حال تم تقليص الوساطات داخل المؤسسات المدنية للحزب، وفي حال تم اتخاذ قرار بتوظيف كلّ زوجة أو أخت او ابنة شهيد مكانه في موقع مناسب طبعا. إلا أنّ القطاع العسكري سيبقى هو المستقطب للرجل دون سواه، ما سيخلق طبقتين داخل الحزب: الاولى عسكرية ذكورية، والثانية مدنية نسائية. فالى أين ستسير النساء بالحزب ساعتئذ؟

السابق
عن ديمقراطية المشاهدين.. ديمقراطية وودرو ويلسون
التالي
جنبلاط: مع التفاوض عبر الدول بملف العسكريين ولا للمقايضة