نجل رفسنجاني ضحيّة صراع والده مع المرشد الأعلى

فتح القضاء الإيراني، مرّة جديدة في الآونة الأخيرة، ملف مهدي هاشمي رفسنجاني، نجل الرئيس السابق ورئيس “مجمع تشخيص مصلحة النظام” (من مهامه التحكيم بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور) هاشمي رفسنجاني، بعدما تمّ تجميده قبل عام عشيّة الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة.

وكان مهدي رفسنجاني، أحد مستشاري القيادي المعارض مير حسين موسوي خلال حملة الإنتخابات الرئاسيّة عام 2009، قد غادر البلاد بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبيّة الواسعة التي أعقبت الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسيّة حيث خرج الملايين من المعترضين على ما اعتقدوا بأنه تزويرٌ في نتائج هذه الانتخابات، وأقام فترة في لبنان، حيث كلّفه رئيس “جامعة آزاد الإسلامية” بمراقبة أنشطة فرعها في بيروت. ولكنه بعد مغادرته البلاد اتُهم من قبل القضاء بالتورّط في الفتنة بل بإثارتها وإدارتها.

ورغم استدعائه بُعيد قدومه إلى بيروت، من قبل “محكمة الثورة” التي كان يسيطر عليها “الحرس الثوري”، سافر مهدي رفسنجاني من بيروت إلى لندن، رافضاً العودة إلى إيران، والتحق بالطاقم الإداري في فرع “جامعة آزاد الإسلاميّة” هناك.

وبقي مهدي رفسنجاني في لندن حتى الأشهر الأخيرة من ولاية رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة محمود أحمدي نجاد، وبعد تزايد الاحتمالات لترشّح والده في الانتخابات الرئاسيّة التي جرت عام 2013، وتمّ استدعاؤه إلى المحكمة وأُدخل سجن “أيفين” ليقضي ثلاثة أشهر في السجن الموقت، على أن تُستأنف محاكمته فيما بعد. وتمّ الإفراج عنه مقابل وثيقة ماليّة (كفالة).

وبعد أن بادر “مجلس صيانة الدستور” (يفسّر الدستور ويؤكّد دستوريّة القوانين ويوافق على المرشّحين إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانيّة وأعضاء مجلس الخبراء ويشرف عليها) إلى رفض طلب ترشّح هاشمي رفسنجاني للرئاسة، أعلن القضاء عن تأجيل محاكمة مهدي هاشمي رفسنجاني إلى وقت غير معلوم، في صفقة غير معلنة مع والده، كونه التزم الصمت بعد رفض ترشّحه ووقوفه خلف مرشّح آخر، أي حسن روحاني ودعوة الشعب للمشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواته لصالح الأخير.

أما المشهد الآن فمختلف تماماً، حيث يبدو أنّ هاشمي رفسنجاني في طريق العودة إلى رئاسة “مجلس الخبراء”، بعد أن أُدخل رئيسه الحالي آية الله مهدوي كاني، قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، إلى غرفة العناية الفائقة وغاب عن الأنظار بعد غيبوبة أصيب بها بسبب الهرم.

ولكن المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة السيّد علي خامنئي الذي يتخوّف من عودة رفسنجاني إلى رئاسة “مجلس الخبراء”، ويعتبره مصدر تهديد لسلطته المطلقة، يفضّل بقاء كاني على الرغم من موته الدماغي، في رئاسة مجلس الخبراء ولو إسمياً، تجنّباً من وصول الدور مجدداً إلى رفسنجاني.

وكان بدأ الخلاف بين خامنئي ورفسنجاني بعد الإنتخابات الرئاسيّة عام 2009 إثر وقوف الأخير إلى جانب المحتجّين، ما أثار استياء المرشد وتشجيعه ترشيح مهدوي كاني لرئاسة “مجلس الخبراء” في العام 2010 وانسحب رفسنجاني، رئيس المجلس وقتها، لصالح مهدوي كاني.

ويشكّل فتح ملف مهدي هاشمي القضائي، ورقة ضغط أخرى على والده من أجل شلّ حركته إلى رئاسة “مجلس الخبراء”، إذ إنّ موضوع الاتّهام الفساد المالي، وهو ما من شأنه أن يكون متّصلاً بوالده بشكل أو بآخر.

هذا مع العلم أنّ اتّهام عائلة رفسنجاني بالفساد المالي ليس موضوعاً جديداً. فقد سبق أن تحدث عنه الكثيرون ومنهم الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي استخدم هذا الموضوع عشيّة الإنتخابات الرئاسية عام 2005 ليُظهر للشعب بأنّه هو الذي سيسترد أموال الشعب من الناهبين. ولكن أيّاً من تلك الإتهامات لم يثبت إلى الآن، إنّما على العكس، ثبت اتهام مقرّبين ومساعدين ووزراء في حكومة أحمدي نجاد في ملفات فساد مالية ضخمة، ومن بينهم مساعده الأوّل محمد رضا رحيمي.

وعن دور المحافظين المتشدّدين في هذه القضيّة، فقد راهنوا كثيرًا على محاكمة مهدي هاشمي، ولم يدّخروا جهداً لتضخيم الموضوع وتغطية ما جرى خلال محاكمته مستعجلين ذلك إلى حد التنصّت على جلسة المحاكمة ونشر تفاصيلها رغم كون الجلسة سريَّة، الأمر الذي أثار احتجاج محامي مهدي هاشمي.

يبقى أنّ فتح الملفات القضائيّة للسياسيّين في إيران يخضع لاعتبارات مختلفة عمّا هو الحال في البلدان التي يتمتع القضاء فيها بالاستقلاليّة. فيتم مثلاً تجميد الكثير من الملفات القضائيّة لحسابات سياسيّة، وفق إشارة وإرادة المرشد الأعلى، لأنّ المرشد، كما صرّح رئيس السلطة القضائيّة نفسه صادق أملي لاريجاني، هو فوق الدستور والقوانين كلّها وصاحب ولاية مطلقة تشمل ولايته، وفق تفسير البعض، كل ما لم ينص عليه الدستور من صلاحيّات لجهات أخرى، وبذلك يحتل موقعاً أرفع من القانون يمكّنه من تجميد الأحكام القضائيّة، والعفو عن المحكومين عندما يرى أنّ المصلحة تقتضي ذلك.

السابق
رحلة نديم البيطار
التالي
أكبر معمرة في العالم: الشوكولا هو السبب!