من هي قيادة الدولة الإسلامية «داعش» ؟

إنّ فهم المبنى القيادي في التنظيم وتحديد قادته يشكلان أهمية أكبر من السؤال عن عدد مقاتليه

يتضح أنّ أجهزة الاستخبارات العالمية ما زالت تحاول رسم صورة أكثر وضوحًا عن تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يهددّ فقط أمن الدول العربية والمسلمة في منطقة الهلال الخصيب والعراق، وإنما يهدد أيضًا استقرار وأمن دول كثيرة في أوروبا والولايات المتحدة.

تتلقّى وكالات الاستخبارات الغربية انتقادات على التقليل من قيمة الدولة الإسلامية (داعش)، والتي تغلغلت خلال عام واحد عميقًا في الوعي السياسي – الاجتماعي -التشدّدي والإعلامي في الغرب. نجح هذا التغلغل غير المتكافئ تقريبًا لهذه المجموعة السنية في إثارة أمن بعض دول المنطقة وتجاوز تأثيرها إلى ما وراء حدود الحرب الأهلية السورية، والتي بدأت تزدهر فيها.

بل إنّ حجم هذا التنظيم ليس واضحًا. تتحدّث بعد الهيئات العراقية والإقليمية عن 50 ألف مقاتل. وتقدّر الاستخبارات الأمريكية العدد بنحو 10,000. والبريطانيّون أكثر تحفّظًا. قال مصدر استخباراتي بريطاني إنّ التقدير هو بضعة آلاف معدودة.

ولكن فهم المبنى القيادي في التنظيم وتحديد قادته أكثر أهمية – كما يبدو – من عدد مقاتليه والمعلومات هنا غامضة جدّا، بل حتى قائد التنظيم المعروف، أبو بكر البغدادي، كان لغزًا حتى ظهرت خطبته في رمضان على شبكة الإنترنت في الشهر الماضي.

يقدّر مديرو استخبارات أمريكيون اليوم أنّ التنظيم قادر على الاحتفاظ بقائدين على الأقل في الميدان في أية لحظة. ليس لديهم سيطرة مركزية. ويحدد القادة السياسات، ولكنهم لا يحاولون إدارة كلّ عملية وعملية. وهم يتنقّلون. لا يعرف معظم المقاتلين أين تتواجد القيادة الأهم.

قادة داعش

عمر

 

حين أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأسابيع الماضية قرارًا يدين داعش ويحدّ من قدرات التجنيد والتمويل لدى التنظيم، فقد فرضت عقوبات على ستّة أفراد، ولكن اثنين منهم فقط أعضاء في الدولة الإسلامية وهما: حامد حمد حامد العلي، رجل التمويل، وأبو محمد العدناني، مسؤول الدعاية الرئيسي له.

تنقسم القيادة العليا في داعش بين مجلس الشورى – مجلس وزاري مصغّر مع مجالات مسؤولية معيّنة مثل التجنيد، التمويل وتوفير الطعام – ومجلس عسكري مصغّر، مع قائد له. يعمل تحت لواء المجلس العسكري معيّنون بمجالات مسؤولية وخبرة مثل بناء شاحنات متفجرة أو العبوات المتفجرة.

البغدادي، الذي توّج نفسه “خليفة” للدولة الإسلامية، يفرض سلطته على التنظيم كما فعل قبله زعماء القاعدة، بإجرائين رئيسيّين: وحدة اغتيالات داخلية تقتل المنحرفين عن الطريق، وسلطة دينية تشكّل ضغوطا أيديولوجية. بالإضافة إلى هذه البنية الأساسية، فلدى الدولة الإسلامية “حكومة” من الأمراء المحليّين، وهم مسؤولون عن مناطق سيطرتهم، وقادة عسكريّون منفصلون. إنّ إرفاق الأسماء لكل هذه المجموعة هو أمر معقّد، وسبب ذلك – من بين أمور أخرى – هو استخدام كنى سرّية.

كل ما هو معروف، بأنّ “وزير الحرب” لدى التنظيم هو رجل اسمه أبو سليمان الناصر لدين الله، وهو مثل البغدادي كان معتقلا في معسكر بوكا (Bucca) الأمريكي في العراق، قبل أن يشق طريقه في عالم الجهاد.

حازم عبد الرزاق الزاوي هو وزير الداخلية، وأبو صفوان الرفاعي هو رئيس جهاز الأمن، وفقًا لمعلومات تفصيلية لم يتمّ التحقّق منها سُرّبتْ من موقع إنترنت مجهول يسمّى “ويكي البغدادي” عام 2013.

هناك شخصيات أخرى يمكن تحديدها بشكل أوضح: عبد الرحمن البيلاوي، كان أحد القادة الكبار في داعش، وتقول بعض المصادر إنّه القائد العسكري الأعلى. لقد توفي في حزيران قبل الهجوم واحتلال الموصل تمامًا.

ابو عمر الشيشاني، وهو من الشيشان، أصبح هو أيضًا شخصية مهمّة في التنظيم. كان قائدًا لمجموعة تابعة له، جيش المهاجرين، في سوريا قبل أن ينشقّ وينضمّ لداعش.

عبد الله الجنابي: كان في الماضي شخصية رئيسية في القاعدة، وهرب من محاولات اغتيال أمريكية، وهو كما يبدو مسؤول آخر في داعش، رغم أنّ دوره ليس واضحًا. يلقي جنابي الخطب الدينية بشكل دائم في مدينة الفلّوجة منذ سقوطها بيد داعش عام 2013.

تعود قيادة داعش في حقيقتها إلى حزب البعث العراقي، وهي مشغولة جدّا بإعادة السيطرة على كلّ البلاد. يمكن ملاحظة ذلك في الخبرة العسكرية التي يملكونها. أسّس قدماء القاعدة نواة التنظيم، وهم ملتزمون بنفس المُثل.

بالنسبة لداعش، فإنّ الهدف الأيديولوجي كان دائمًا “العدوّ القريب”؛ وهو مصطلح يشير في الأصل إلى المسلمين الآخرين، وخصوصًا الشيعة والممالك مثل المملكة الأردنية الهاشمية وآل سعود في المملكة العربية السعودية. بالمقابل، فقد ركّزت شبكة القاعدة الأساسية دائمًا على “العدو البعيد”؛ الغرب الكافر.

مع القصف الأمريكي للولايات المتحدة وقتل الصحفي الأمريكي جيمس بولي، يبدو أنّ داعش غيّرت من تركيزها. بخلاف القاعدة، أعلنت عن نفسها خلافة عالمية، ولذلك فقد تحتاج إلى إظهار القوة على المستوى الدولي.

وفقًا لبعض التقديرات الاستخباراتية الغربية، فمن غير الواضح مدى السلطة التي تتمتّع بها القيادة الرئيسية للتنظيم على المجموعات الإقليمية التي تنفّذ المجازر بالسكان. إنّ تيّارًا قويّا من الأعضاء الجدد، الذين ينجذبون إلى الدعاوى الأيديولوجية المتطرفة جدّا، ليسوا مُدمَجين دمجًا كاملا بالمبنى القيادي للتنظيم؛ سواء لأنّ القيادة تخشى من اختراق التهديدات، أو لأنّ النشاط يمتدّ الآن على مساحة كبيرة جدّا من الأراضي. من المرجّح أن يكون المتحمّسون الجدد أكثر وحشية وأقلّ توقّعًا في سلوكهم، كما يعتقد المسؤولون الاستخباراتيّون.

لا يزال من غير الواضح بأية سرعة ستستطيع داعش مهاجمة الغرب في بلاده، من خلال تخطيط مقدّم ومركّز أو بمبادرة المجنّدين المتحمّسين من تلك البلدان. يقدّر محلّلو المعلومات الاستخباراتية أنّه فيما يتعلّق بتخطيط الهجمات في الخارج، فليس لدى الدولة الإسلامية اليوم القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية في العواصم الأوروبية أو في الولايات المتحدة.

السابق
نديم الجميل: لماذا مهاجمة ’داعش’ وهي لم تهجم علينا بعد؟
التالي
بري في ذكرى الصدر: لتعميم المقاومة على كل الحدود