لبنان سيبقى كما كان: ملجأ للقادمين والعابرين والوافدين

النازحون
المشكلة في لبنان لم تعد في تنوعه ولا هي في وهم رسالته بل هي في العبور إلى أرضه، وفي تلاقي الصدفة بين المختلفين، أما فرضية قيامته فلا يمكن لفوضى الكثير التي عمت تاريخه أن ترسمها، ولا يمكن بالتالي - بحكم الضرورة- أن يرسخها.

لقد كلفتنا أسطورة لبنان خيالاً فاق التصور ووهم صحت معه ولادة الجمهورية، صنعوا لها رمزاً إختلطت في شخصه كل الطوائف والمذاهب. إنها بإختصار الحكاية وأصل الرواية وبها إستقر بعض المؤرخين وبتوجيه من المستعمرين وبعد جدل عقيم على حبكة إختصرت الكل بشخص.

إختصرت الكل بأمير عربي شهابي، مسلم، مسيحي، درزي، سليل المعنيين وصديق التوسكانيين، قصة نصبت أمير الفوضى والقرارات الصعبة أميراً على لبنان الكبير وجعلت منه أيقونة الكيان العظيم بالضرورة وليس بالإختيار.

إن أوهن البيوت بيت العنكبوت وأوهن تلك البيوت بيت خيط في مهب الريح، فلما أتاه تتطاير رماداً فكان هباءً مبعثراً، لزم بعده وجود عنكبوت يحي البناء أو ينشأه من جديد كما أول مرة وهي على ما قيل أهون عليه فهو يعيد .

المشكلة في لبنان لم تعد في تنوعه ولا هي في وهم رسالته بل هي في العبور إلى أرضه، وفي تلاقي الصدفة بين المختلفين، أما فرضية قيامته فلا يمكن لفوضى الكثير التي عمت تاريخه أن ترسمها، ولا يمكن بالتالي – بحكم الضرورة- أن يرسخها. وهي حكماً لن تكون بفعل الخروج عن الطبيعة والمألوف. فكل خارج عن سياقها وبالتجربة أصابه الوهن والسقم والبلد عندها، لن يكون أكثر من جغرافيا فيها كيان أشبه بزنزانة مستأجرة نزلائها أصحابها وسجانها غريب.

هو لن يكون إلا كما كان، ملجأ للقادمين والوافدين، ملجأ للهاربين المظلومين والمضطهدين ، هدفاً للطامعين يدفعهم حب السيطرة، وللحق لا أعرف طمعاً أو سيطرة على ماذا ؟ لكنها الحقيقة وما قد قيل وقال وما حمل بالتواتر وما سيقال لن يصدقه الى صاحب عقل مستقيل ركن المتخيل، بعد تصفيتة و من خلال قواعد التوصيل و تحديداً عبر التلقين، الى القلب الملطخ بلاإرادية يتصف بها كل ضعيف مستكين مسكين.

كتبة (مسيحيون ومسلمون) وثمانية عشر طائفة رأيتهم فيه رابطين، تحيط بهم كوكبة عرقية قديمة توصل النسب حيناً الى الفنيقيين وإلى أهل الجزيرة والمصريين، وحيناً الى الفرس أو تلصقها بالغرب على أساس القدوم الغابر مع الصليبيين.
جمهورية الكل يقيم فيها اليوم، الى جانب الوافدين قديماً، وافدون جدد هم الفلسطينيون، العلويون، الأكراد، الأرمن، البدو، المصريون، الآشوريون، الفرنسيون، الأتراك، السوريون، العراقيون واليونانيون، وقلة مجهولون. هؤلاء مجتمعين، عمداً أو عن غير قصد، أفقدوا الجمهورية شكلها، أفقدوها مع الزمان وبالتراكم كل مقوماتها، لكنها وعلى ما يبدو حافظت على هويتها، إنها البلد الملجأ و لعنة التنوع وأصل النوع تلاحقها، بقيت مستوعب يتم تلزيمه، العالم كله بات له عليها وإن بالغصب فضل وله فيها طاعة وأمر، وخبرية أنه فسيفساء فقد قضت عليها رائحة المستوعبات وما حملته إليها معها الرياح من تغيير ومتغيرات.

الأجيال القادمة على ما أجزم لن تصدق أسطورة لبنان الكبير. فهي لن تصمد لأنها ببساطة قصة من نسج الخيال والوعي أوقفته حلكة الظلام وبددت الفصول والغايات تلك الصور والآيات. والدرة اليتيمة التي إسمها لبنان ضاعت وأضاعت معها مواطنيها، والبحث جار فيها، وبعد هذا الزمان عن رئيس يقود البلاد، لقد أسقط المتسلق المتسلط الجديد القديم عليها أسطورته التي ألزم وجوده وجودها. إنها ليست النهاية ….إنها بداية أسطورة جديدة لا ترتكز الى منطق بل هي أيضاً متخيل من نسج خيال.

السابق
لبنان يطلب، والولايات المتحدة تستجيب
التالي
امسية شعرية في دير قانون النهر