مصير العسكريِّين ينتظر قراراً سياسيا

يبدو أنّ مصير العسكريين المحتجَزين معلّق على انقسامات المسلحين في سوريا والمداخلات الإقليمية وعدم جدّية القرار السياسي في بيروت.
بات معروفاً أنّ لواء «فجر الإسلام» الذي بايعَ «داعش» قبل اعتقال زعيمه عماد جمعة يحتجز عدداً من العسكريين، في حين أنّ «جبهة النصرة» تحتجز العدد الآخر. الخطورة في هذا الأمر تكمن في دخول «داعش» هذه المرّة عنصراً جديداً وفاعلاً لديه مخطوفون ويضع شروطاً «تعجيزية» لإطلاقهم، ويهدّد بالشروع في ذبحهم.

هذا لا يعني أنّ «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» أقلّ تطرّفاً وأكثر اعتدالاً من «داعش»، لكن لدى الدولة اللبنانية سابقة تفاوضية معها عبر الوسيط القطري أدّت إلى إطلاق راهبات معلولا.

يومَها بذلَ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بناءً على تكليف السلطة الرسمية، جهوداً كبيرة عبر الدوحة وأنقرة ودمشق، أدّت الى نجاح عملية الإفراج عن الراهبات بلا كلفة تُذكر.

السؤال الآن: لماذا هذا الغموض والإرباك لدى السلطة السياسية في تعاطيها مع ملف المخطوفين العسكريين؟ هل الأمر متعلق بعدم الرغبة في الحديث مع دمشق في موضوع يعنيها ويقع على أراضيها؟ أم أنّه متعلق بمحاولة فريق سياسي تسجيلَ إنجاز يصبّ في خانة «العودة» إلى الساحة اللبنانية وتعويم الذات.

لا شكّ في أنّ المسألة شائكة ومعقّدة وتفوق غيرَها من الملفات تعقيداً، لكن من يعرف طبيعة وماهية الجهات الخاطفة، يعرف أنّ لها مفاتيح إقليمية وجهات خارجية تدعمها و»تَمون عليها»، ولا بدّ من الشروع رسمياً في طَرقِ أبوابها والحديث معها وطرح التفاوض عليها من مبدأ دولة الى دولة.
ليس من الخطأ الاعتماد على جهات أهلية ورجال دين في سياق البحث عن سُبل لاستعادة العسكريين المختطفين.

ولكن لنتذكّر أنّ هذا المستوى من الوسطاء، كان قد عمل على قضيتي مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا، ولم يوفّق ولم ينجح في إطلاقهم، وعندما قرَّرت الدولة اللبنانية وضع اليد على الملفّين من خلال اللواء عباس ابراهيم وصلنا الى نتائج ممتازة بلا تنازلات تسيء الى هيبة الدولة.

من الواضح أنّ قضية العسكريين ستكون جزءاً من «البازار المفتوح» على مستوى الإقليم، من هنا يمكن الدخول الى فهم حقيقة تهديدات «داعش» بالبدء في ذبح العسكريين.

وهذه رسالة الى السلطة السياسية من جهات إقليمية، في محاولة لاستدراج تفاوض سريع أو جعل هذه الورقة محلّ ابتزاز متسلسل وفقاً للظروف والمعطيات المتوقعة. ولذلك، لا بدّ للسلطة السياسية من أن تتلقّف هذه الإشارات وتغادر تعدُّدَ المرجعيات والتصريحات في هذه القضية، وأن تحصر المسألة في مهمّة سياسية أمنية تُناط بالرجل الذي نجح في التجربتين السابقتين.

المبادرة الى إسقاط التحفظات والمزايدات الداخلية في هذا الملف، خطوة أولى على الطريق الصحيح. أمّا انتظار فيديو «الرأس المقطوع» لأحد العسكريين أو التعامل بخفّة وكيدية مع هذا الملف فسيصيب الرأي العام اللبناني بخضّات وردود فعل قد تصل إلى أن تكون فتنوية في مكان ما.

الدليل على هذا أنّ السلطة وافقت إبّان أحداث عرسال على إطلاق ثلاثة عناصر من مذاهب معينة ورضخَت لتصنيف الخاطفين، الأمر الذي تمّ استيعابه يومها، ولكنه بدا كسابقة ربّما يَبني عليها الخاطفون في الأيام المقبلة لجعل قضية العسكريين قنبلة داخلية موقوتة بدلاً من أن تكون قضية وطنية محطّ إجماع جميع اللبنانيين.

نحتاج إلى نمط جديد وسريع من التعامل مع هذه القضية. تعدُّد المرجعيات ورفضُ الحديث مع سوريا والتسريبات الإعلامية وعدمُ اتّخاذ قرار سياسي جدّي، كلّها عوامل تُضعِف موقفنا وتُهدّد مصير العسكريين وتُنغّص حياة أهلهم. مع العلم أنّ بعض السياسيين بدأوا يقولون في مجالسهم الخاصة إنّ القضية طويلة وبعيدة، فيما يعلنون عكس ذلك عبر الإعلام.

وحتى حسمِ الجدل، الطريق إلى استعادة المخطوفين واضح ويبدأ حتماً بقرار تتّخذه الحكومة وتُطلع الرأي العام عليه، وبعدها تنفتح القنوات.

السابق
واشنطن تسعى لتشكيل ائتلاف دولي ضد تنظيم ’داعش’
التالي
مقتل خالد سليمان طرابلسي في بعلبك