ماذا عن غزّة؟

غزة
لا أدّعي أنّي أفضل حالاً من الّذين يراقبون الموت يومياً والدمار، من دون أن يستطيعوا أن يقوموا بشيء تجاهه. لا أعرف إن كانت أحوالنا اليومية أو هروبنا من الأسى. نريد أن نعيش، وقد سئمنا الحروب، نريد حيّزاً للحياة. نريد أن نرقص ونغني ونفرح وأن نظنّ أنّنا لا نبالي. لكن في منتصف النهار، حين تلفحنا درجة الحرارة القوية، وتقبض على أعناقنا غصّة ما، لا يمكننا ألّا نسأل: ماذا عن غزة؟

الحب كالحرب، يبدأ بمنتهى السهولة وينتهي ببالغ الصعوبة. -هنري لويس منكن
هناك حرب في غزة. هناك موت ودمار ونيران تختلف عن الحرارة المرتفعة، نيران الموت. تخيّلوا أنّنا نجلس في منازلنا، غير قادرين على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة، بينما هناك أشخاص ينامون – أو لا ينامون- على وقع القنابل وفقد الأحبة، وعالم حقير، بالغ الحقارة، لا يثير فينا إلا الحنق والشفقة.

لماذا الحنق؟ لأنّ هذا العالم بات أشبه بمحرقة، محرقة للأحلام، محطة للسواد. ولماذا الشفقة. لأنّ لا مبالاتنا باتت نابعة من اليأس والتعب. نحن شعوب منهكة، من أقصى شمال لبنان إلى جنوبه، إلى العراق وسوريا وطبعاً فلسطين.
غزة

المنهجية المتّبعة تجاهنا – والّتي لا أعرف من وراءها ولا إن كانت نظرية المؤامرة صحيحة – هي إنهاكنا وتعويدنا على الموت والقلّة والإنتهاك. أنظر إلى المرآة وفكّر: كيف استيقظت هذا الصباح؟ هل كانت لك الفرصة لتحتسي قهوتك بهدوء؟ هل ابتسمت لأطفالك وأنت توصلهم للمدرسة؟ أم أنّك استيقظت على المشاكل اليومية الّتي لا تنتهي؟ هل لديك الطاقة الكافية للاستمرار هكذا؟

طبعاً، في حالات كهذه، لا تعود مآسي الأخرين تعنينا. لنا من المآسي ما يكفي. ومن الممكن حتّى أن يثير في أنفسنا منظر طفلٍ يُذبح فكرة عابرة: “هنيئاً له، لقد رحل قبل أن يدرك وعيه ويفهم وحشية العالم”. إنّه اليأس. الغزاويون اعتادوا أيضاً القهر والحصار والعيش تحت أسوأ الظروف.

اعتادوا على حقارة العالم، وعلى إنجاب أطفالٍ أكثر، تعويضاً للخسارة. اعتادوا على الركام الّذي ينزل فوق رؤوسهم. ربما هم منهكون. ربما تعبوا. لا نعرف حكاياهم. كاميرات الإعلام في مكان آخر. لا نعرف اسم الطفل الّذي استشهد أمس أو قبله أو حتّى اليوم.
غزة

لا نعرف، وربما لا نريد أن نعرف. اعتدنا أن نصبح في الحياة من الداخل، وهذا تعوّد خطير، أن ننساق فيها لقلة حيلتنا. لا نملك الوقت لنتوقّف ونفكّر: ماذا يحدث حولنا فعلا؟ لا نملك ما يكفي من الوقت لنتألّم. الحزن ترف ليس لنا له سبيلاً.

لا أدّعي أنّي أفضل حالاً من الّذين يراقبون الموت يومياً والدمار، من دون أن يستطيعوا أن يقوموا بشيء تجاهه. لا أعرف إن كانت أحوالنا اليومية أو هروبنا من الأسى. نريد أن نعيش، وقد سئمنا الحروب، نريد حيّزاً للحياة. نريد أن نرقص ونغني ونفرح وأن نظنّ أنّنا لا نبالي. لكن في منتصف النهار، حين تلفحنا درجة الحرارة القوية، وتقبض على أعناقنا غصّة ما، لا يمكننا ألّا نسأل: ماذا عن غزة؟

السابق
التفاهم السعودي ـ الإيراني يطلق مسارات التسوية
التالي
19 قتيلا اثر سقوط حافلتي ركاب في ترعة جنوب مصر