التصنيف العقاري يغيّر ’مدخل’ صور

يوماً بعد يوم تزداد مساحة البساتين التي تُجرف وتُقتلع أشجارها عند المدخل الشمالي لمنطقة صور، وتحديداً في محلّة القاسميّة في بلدة برج رحال امتداداً إلى البرغلية جنوباً.
فتلك المنطقة التي اشتهرت ببساتينها وخضرتها، ولا سيما أنها قريبة من نهر الليطاني ومن مشروع ري، تشهد تغيرات جذرية بدأت تتضح معالمها، مع المشهد المؤلم لأشجار الليمون التاريخية المقتلعة والتراب الأحمر الذي ستُغطّيه قريباً أبنية من الباطون.
والمعروف أن منطقة صور من أكثر النقاط نشاطاً في السوق العقارية، وأسعارها مرتفعة نظراً للطلب عليها ولا سيما من المغتربين والمستثمرين. وبالرغم من ذلك حافظت على مناطق زراعية شاسعة، وقد ساعد في ذلك تصنيفها زراعية وانخفاض عامل الاستثمار. ومع ذلك كانت أسعارها ترتفع هي أيضاً كأنّ عامل الاستثمار فيها مرتفع، أو كأن البائع والشاري يدركان أنها استثمارية ومستقبلية وأن التمدد العمراني سيصل إليها يوماً، خصوصاً لقربها من الطريق العامة القديمة ومن الأوتوستراد الجديد… ومن البحر.
وهذا ما يحصل الآن، مع ازدياد الحاجة إلى المساحات السكنية والتجارية.
فقد صدر قبل أشهر التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي العام لمنطقتي محيليب وعين ابو عبد الله العقاريتين التابعتين لبلدتي البرغلية وبرج رحال، إلى الشمال من صور. ويقضي التصميم الجديد الموقع بتاريخ 177/2013 من المجلس الأعلى في التنظيم المدني والمصدق وفق الآليات المتبعة من رئيس الجمهورية، برفع نسبة الاستثمار في عدد من العقارات في المنطقتين وتحويلها من زراعية إلى سكنية.
جاء ذلك بعد تقديم طلبات من البلديات المعنية إلى دائرة التصميم في التنظيم المدني قبل نحو خمس سنوات. وكان سبقه تعديلات مماثلة في المنطقة الساحلية التابعة لبلدية البرج الشمالي وبعض المناطق القريبة.
في المقابل، لم يطرأ أي جديد في ما يخص المنطقة الساحلية الممتدة من رأس العين إلى الناقورة. ويعتبر عدد من رؤساء بلديات المنطقة وأصحاب العقارات، أن اجحافاً لحق بها في عملية التصنيف، إذ حُدد حجم الاستثمار العمراني فيها بين اثنين وخمسة في المئة، ما ’يحرم تلك المنطقة الساحلية على طول نحو عشرين كيلومتراً الازدهار السياحي والعمراني’.
بينما يسجل عدد من العاملين في القطاع العقاري ومجال الاستثمار انتقادات عدة على عملية تعديل التصنيف العقاري وتحويل العقارات من زراعية إلى سكنية، ومن تلك الانتقادات ’توقع احتشاد المنطقة التي رُفع فيها الاستثمار، ولا سيما الملاصقة للشوارع العامة، بالأبنية السكنية والمؤسسات التجارية، بينما تبقى المناطق التي ما زال عامل الاستثمار فيها على حاله وعقاراتها ضمن تصنيف زراعية، شبه فارغة’.
ويلفت عدد منهم الى أن وراء عملية التعديل منافع خاصة لكبار المستثمرين في مجال العقارات المبنية وغير المبنية التي يرتفع ثمنها بنسبة عالية مع تحويلها وزيادة نسبة الاستثمار. ويغمزون إلى أن رفع عامل الاستثمار وتحويل وجهة الاستثمار من زراعي إلى تجاري لا يمكن أن يحصلا إلا بنفوذ مالي.
وعلى الجبهة الأخرى تجد البلديات مبررات كثيرة للمضي بعملية تعديل التصنيف العقاري في نطاقها، انطلاقاً من الواقع الجغرافي والديموغرافي المستجد والحاجة إلى مزيد من فرص الاستثمار العمراني وتبنيها سياسة التوازن بين الامتدادات العقارية المصنفة: سكن، زراعة، سياحة، أنهر، شواطئ وغيرها.
وفي هذا السياق يؤكد رئيس بلدية برج رحال حسن حمود أن طلب التعديل الذي تقدمت به البلدية إلى دائرة التصميم في التنظيم المدني بعدما كلفت مهندساً لمتابعة الملف الذي استغرق سنوات، قد جاء لتصويب التصميم القديم الذي جرى الاعتراض عليه نظراً إلى عدم مراعاة التصنيف الذي تتوخاه البلدية ويشكل مصلحة عامة للبلدة وليس لأفراد.
يضيف أن ’التعديل الذي قضى برفع نسبة الاستثمار وتحويل عقارات كانت مصنفة زراعية ويسمح فيها بنسبة استثمار خمسة في المئة إلى مناطق سكنية، شمل عقارات في منطقتي محيليب وعين ابو عبد الله، والهدف من هذا التعديل تنمية المنطقة والحفاظ على المناطق الزراعية الشاسعة’.
ويلفت رئيس بلدية العباسية علي عز الدين إلى أن ’البلدية تحضر ملفاً للتعديل وفق الحاجات والوظائف الجديدة في المنطقة، آخذة بعين الاعتبار المرحلة الأولى التي تقضي بفرز عقارات للحفاظ على عملية التنظيم المتمثلة بتوسيع الشوارع بين 8 و12 متراً وتثبيتها بمرسوم’.
ويقول إن التخطيط القديم والتخطيطات غيره لا تعتبر مقدسة ولا هي جامدة لأنها لم تعد تراعي الواقع الجديد والتوسع السكاني والتجاري والسياحي ومتطلبات التشغيل الاقتصادي والاستثماري’، معتبراً أن أي تخطيط يجب أن يكون مقروناً بسياسات مبنية على تفاعل القطاعات ونشاط وحيثية كل منطقة وما تختزنه من مقومات’.
ويشير عز الدين إلى أن ’التعديل المفترض ليس مرتبطاً بمصالح مستثمرين أو نافذين، وإنما نابع من حــاجة للتغيرات في وظيـفة المناطق شرط الحفاظ على مبدأ التصنيفات وحماية الأماكن الطبيعية والزراعية والسياحية’.

 

العملية والشفافية
لتعديل التصنيف العقاري عملية قانوية تبدأ، وفق المحامي رولان حردان، من البلدية التي تتوجّه بطلب إلى المجلس الأعلى للتنظيم المدني، وتمر عبر القائمقام.
ويؤكد حردان أن العملية من البداية تشترط الشفافية والنشر ليتمكن المتضرر من الاعتراض. ويحق للقائمقام عدم تحويل الطلب إذا رأى فيه ضرراً. ويحق طبعاً للمجلس الأعلى في التنظيم المدني، الذي يضم ممثلين لوزارات عدة منها البيئة إضافة إلى «نقابة المهندسين»، الرفض. ويحتاج التعديل إلى مرسوم، يمكن الطعن به لدى مجلس شورى الدولة.
ويوضح حردان أنه يحق للمواطنين طلب تعديل التصنيف.. إذا كانت العقارات التي يملكونها كبيرة.
ويلفت إلى أن التعديل لا يتم من الزراعي إلى الصناعي، أو في اتجاه رفع نسبة الاستثمار فحسب، بل ربما يحصل العكس، فهناك بلديات أو مؤسسات تطلب تعديل التصنيف إلى سياحي، بهدف الحفاظ على الأرض وطبيعتها.

السابق
توقيف احد المشتبه بهما في جريمة جل الديب
التالي
امل احيت الذكرى الـ36 لتغييب الصدر