مخيم شبابي لبناني سوري في جزين

لم تكن عملية جمع ثمانين من الناشئة اللبنانيين والسوريين في بقعة جغرافية، بعيداً عن بيوت الأهل والأحياء، وفي ظل ما يدور من تنافر بين أبناء بعض المناطق والنازحين السوريين، أمراً سهلاً، ومع ذلك دخلت «جمعية التنمية للإنسان والبيئة» في «التجربة»، تحت عنوان «مع بعض أحلى». وأقامت لهم مخيماً مشتركاً، عبر الفنون، في محلة «الكروم» في خراج مدينة جزين.

يقوم «مشروع» المخيم وغايته، بالشراكة مع «جمعية البحث عن القضية المشتركة» والتعاون مع «اتحاد بلديات جزين» و«نادي الشلال» فيها، وما الفنون كالتصوير والرسم، الموسيقى والمسرح الارتجالي، إلا سبل دمج وتفاهم وتعايش؛ وإلى هذه الفنون يتلقى المخيمون ورش مهارات حياتية، عن القيادة والثقة وتحويل النزاع والاكتشاف وغيرها.
وتشير مديرة المخيم أليسا شمّا إلى أن المشروع يستهدف أربع مناطق في جنوب لبنان، النبطية، صور، جزين وصيدا، «وقد تم اختيار الأشخاص من تلك المناطق، من خلال منشورات وزعت في الجامعات والتجمعات وعبر الأندية والجمعيات والبلديات أو من خلال التوجه المباشر إلى الناس بواسطة معارف لفئات عمرية تتراوح بين 15 و25 سنة».
أما الشباب السوريون، فتم التركيز على بيوت تستفيد من مشاريع تقدم للنازحين كتوزيع المساعدات، «فزارها فريق المشروع المؤلف من 4 أفراد (عدة فرق في كل منطقة)، وتمت الاستعانة برؤساء بلديات أو جمعيات أو هيئات، وجرى الحوار مع ذوي الشبان والفتيان، ليطمئنوا إلينا أكثر، بعد تقديم شرح وافٍ عن هدف المشروع والمخيم، وجرى ملء استمارات موقعة من الأهل، أجاب من خلالها المعنيون عن غايتهم في المشاركة، وقد أبدى معظمهم من الشباب والناشئة رغبتهم في التعرف الى الشباب اللبنانيين والاندماج في المجتمع اللبناني أكثر، لا سيما في ظل النفور القائم بين اللبنانيين والسوريين في كثير من المناطق، الذي يتحول بعضه إلى صراع، ما يجعل الشباب والناشئة يعانون من ظلم ما يرتكبه الكبار».
رأى بعض الشباب في المخيم فسحة تعبير، فمنهم من يشارك للمرة الأولى في مخيم خارج البيت أو البلدة، أو أنه يخرج للمرة الأولى منذ سنة بعيداً عن البيت أو الحي، ما شجعهم على خوض تجربة ما هو جديد، سيجمع بين شباب لبنانيين وسوريين.
«كان اليوم الأول من المخيم للاكتشاف والتعارف، وصودف أن شباباً وصبايا من جزين لم يلتقوا طوال فترة النزوح بشباب سوريين يعيشون في جزين. كان الحوار فرصة لاكتشاف المناطق التي أتوا منها، إلى الحديث عن المدارس والمواهب. لم نلمس أي تصادم على نحو ما يتم بين البالغين أو المتقدمين في العمر، مع إدراك المشاركين لكل ما يجري حولهم، لكنهم لن يخوضوا كثيراً بما يحصل، فتكرست علاقات متينة بين المخيمين» تقول شمّا. قرر القيمون على المخيم حصر علاقات الشباب في ما بينهم بالفنون، «وقد أتت هذه العلاقات أُكُلها نظراً لسهولة الفن ومتعته، وهو يمنح المساحات للتعبير عن الذات من دون الخوض في التفاصيل التي توفر أحياناً أجواء التصادم. كما أنهم بدأوا يكتشفون بعضهم من خلال مهارات حياتية تجعلهم يتحدثون عن الهوية، الثقة، الأجواء التي كانوا يعيشونها، ما سببته الحرب من تباعد وغربة حتى عن المواهب والهوايات التي كانوا يمارسونها».
غابت عن المخيم المشاركة الأنثوية «السورية» اللافتة، واقتصر حضورهن على عدد لا يتعدى أصابع الكف. فقد عانى المنضمون من صعوبة في استقطاب الإناث السوريات نظراً للعادات والتقاليد. كما أن المشاركين اللبنانيين بلغوا ما نسبته 65 بالمئة من شباب المخيم في مقابل 35 بالمئة من السوريين. ورجحت شمّا أن تكون «بعض الاجراءات والأنظمة التي فرضت على السوريين في العديد من القرى والبلدات والمناطق، قد لعبت دوراً في هذا التراجع عن المشاركة، على نحو منع التجول وفرض ممارسات قاسية بدلاً من إيجاد حلول ناجعة. فضلاً عن الأوضاع الأمنية العامة المتوترة».
سيكون هذا المخيم «الأول» واحداً من سلسلة مخيمات تحت راية المخيم الدائم في جزين، «وتوطئة لتجارب قد تتواصل على مدى 10 سنوات، مدة المشروع». يقول رئيس الجمعية فضل الله حسونة ويضيف: «لقد شكل المخيم الذي تولى أعمال التدريب فيه 10 محركين، مرحلة اللقاء الأول، على أن يتلاقى المشاركون فيه تباعاً مرة في الشهر على مدى ستة أشهر، من خلال مجموعات تتوزع بحسب الفنون، الرسم، المسرح، الغناء، الموسيقى، التصوير، لإصدار أعمال مشتركة، أغنية أو مسرحية أو كتاب أطفال ما، هذا الأمر سيخلق حوافز وانتشارا للفكرة في المجتمعات».
علِم جعفر محمود خليل (فلسطيني سوري من مخيم اليرموك)، بالمشروع القائم وغايته، «وأعجبتني الفكرة. الحدث الكبير الذي جرى في سوريا أبعدنا حتى عن ذواتنا ومجتمعاتنا وبيئتنا، إن مشروعا كهذا سوف يلمّ أنفسنا ويلمنا، ونخرج معاً بما يخدم مجتمع أفضل. هي فكرة جديدة عليّ، أسمع بها للمرة الأولى. أنا أحب المسرح وأنشأنا هنا ما يعرف بكورس المسرح وتلقينا وعداً من القيمين على مجموعتنا بأننا سوف نخرج بنهاية المخيم بعمل يعبر عن المجموعة ككل. ولقد اتسعت معارفي هنا، من لبنانيين وسوريين وغيرهم».
قدم حسن محمد حويلا إلى المخيم بواسطة أحد الأصدقاء «ولقد ارتحت إلى هذا الجو الذي ارساه المخيم وأتمنى معاودة التجربة التي جعلت لي أصدقاء من غير منطقة وبلد، ومن خارج البيئة التي أعيشها. وباتت لي علاقات وثيقة بنازحين سوريين وفلسطينيين».

السابق
صور تكرّم اللواء إبراهيم
التالي
الرواية الكاملة لمعركة عرسال