كم سيصمد هذا الائتلاف؟

تحديداً في اليوم المفترض أن يوفر لإسرائيل صورة النصر ـ جثمان مشظى لكبير الإرهابيين محمد ضيف المسؤول عن مقتل مئات الإسرائيليين ملقى في الشمس الغزّية في مثواه الأخير ـ اختار بنيامين نتنياهو عقد مؤتمره الصحافي، الذي كشف، كما في صورة مقطعية ودقيقة وعديمة الرحمة، التصدعات والشروخ التي راجت في قمة القيادة الإسرائيلية. فالحدث الإعلامي الاستثنائي، في ذروة القتال، الذي اختار فيه نتنياهو تصفية الحساب مع وزراء الكابينت من طاعنيه في ظهره، أبرز تحديدا ضعف المتهم وعيوبه: السيد مكافحة الإرهاب تحول إلى خرقة تدوسها أقدام تنظيم يسفك دم إسرائيل منذ ستة وأربعين يوما، وفقا لأهوائه. وهو يدير مفاوضات مع حماس تحت النيران. لا ردع ولا حسم ولا تسوية. والدعم اللطيف من جانب معظم الحلبة السياسية في الأسابيع الأخيرة غدا في الأسبوع الأخير صفير احتقار واستخفاف طويل. وبكلمات السياسي المحبب إليه، ونستون تشرتشل، نتنياهو نال الحرب والمهانة.

ما يحدث في مجلسنا الوزاري الأمني هو فعلا فضيحة. تخيلوا أن رؤساء القيادة السياسية لحماس يجلسون كل مساء في إحدى القنوات التلفزيونية، إلى جانب معلقين ومراسلين محليين، وعندما يصلهم حق الكلام يعرضون خططهم، وأفكارهم في كل ما يتعلق بالعلاج الأجدر بإسرائيل، وإدارة الحرب ضدها، إن كان ينبغي التوصل إلى تسوية معها، أو إلى الحسم العسكري أو الهدوء مقابل الهدوء. يمكن الافتراض أننا كنا سننفجر ضحكا ونظن أنهم مجرد حفنة من المهرجين عديمي الذكاء، عديمي المسؤولية وبالحد الأدنى من الانضباط، وأن ثمة أحداً في القيادة فقد السيطرة على مرؤوسيه.
وزراؤنا، لا سمح الله، ليسوا هكذا، لكن هذا موجز أحداث الأسبوع الماضي: عضو الكابينت، وزيرة العدل تسيبي ليفني، أعلنت أن المفاوضات التي تدار مع حماس في القاهرة خاطئة. وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، لم يختر كلماته عندما حمل في صفحته على الفيسبوك على السياسة التي ينتهجها رئيس الحكومة: «عندما يتحدثون بجدية عن أمن سكان إسرائيل ينبغي فهم أنه لا يوجد أي احتمال آخر سوى خطوة إسرائيلية حازمة، ذات معنى واحد: إخضاع حماس».

أما عضو الكابينت، وزير الاقتصاد نفتالي بينت، فدعا في ذروة محادثات القاهرة إلى «الوقف الفوري» للمباحثات بين الوفدين في العاصمة المصرية والانتقال إلى مبادرة من طرف واحد، يعمل عليها ويسميها فرض من طرف واحد، لا تسوية ولا حذاء. وإسرائيل ستكون سخية جدا، في المجال الإنساني، لكنها ستضرب حماس طول الوقت على طريقة «قص العشب»، حسب قوله. وفي ردّه وصفه ليبرمان ساخرا، بأنه «وزير يعاني من النسيان». أما بينت، فبعد أن تلقى التوبيخ بشكل شخصي0 من نتنياهو في جلسة الكابينت يوم الأربعاء الأخير وبعد ذلك بشكل جماعي في المؤتمر الصحافي، فقد أصدر بلاغا قصيرا لوسائل الإعلام: «لا نجري مفاوضات مع تنظيم إرهابي. نقطة على السطر. رأيي لم يتغير». وبكلماتنا: نتنياهو، ابحث عني، لم أعد أعمل عندك.

ولا عجب إذن أن نتنياهو ضجر. يئس. وهم أيضا بالمناسبة. خلال العملية عقد الكابينت 27 مرة، حسب قوله في المؤتمر الصحافي. إن كان يعتقد أن هذا يرضي الوزراء، فقد خاب ظنه. كان يتوقع من الكابينت أن يكون مثل لاس فيغاس: ما يحدث هناك يبقى هناك. لكنهم لا يعتبرونه. وجهتهم الانتخابات، أو الشيطان يعرف. إن الاحترام لرئيس الحكومة، حجر الأساس في كل ثقافة سلطوية، غائب. علاقة رئيس الحكومة بشركائه الائتلافيين (أساسا بينت وليبرمان، مع ليفني علاقته جيدة) سقطت في أغوار تحديدا في الأيام التي تتطلب الوحدة، التراص وانضباط خطاب في القيادة. وفورا بعد أن تنتهي المواجهة العسكرية وتتوقف الصواريخ، ستتحول الحلبة السياسية إلى ميدان المعركة الأساسي. وأيضا سيتطلب الوضع حسما، أي تفكيك الرزمة والذهاب إلى الانتخابات، أو التسوية التي تعني إقرار ميزانية 2015 واستعداد لقضاء عام آخر سويا، مع كل ما يقتضيه ذلك من الأسى.

وحاليا يتعذر تخيل تحقيق الخيار الثاني. ليس فقط بسبب توتر العلاقات، وإنما أيضا بسبب المواضيع المدرجة على جدول الأعمال: خطة لبيد صفر ضريبة قيمة مضافة، التي تفقد الدعم كلما تقدمت، أو راوحت، في دهاليز التشريع. والقضية الأساس هي الميزانية التي تبدو حاليا كعقبة يتعذر تجاوزها، وكامتداد هائل تحته نفق متفجر، وقول نتنياهو في المؤتمر الصحافي أمس الأول، أن وجهته «أفق سياسي جديد» في نهاية العملية، أثار أعصاب كثيرين في الليكود: وقد تساءلوا، هل يفكر في العمل مثل أرييل شارون والتخلص من بيته السياسي ومن معسكر اليمين بأسره.

في هذا السياق ينبغي تفسير الدعم الحماسي «لرئيس الحكومة، وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي في إدارة العملية»، الذي نشره أمس زعيم شاس، المعارض النشط أرييه درعي. وهو لم يكتف بذلك، بل حمل على «رجال السياسة ممن لا هدف لهم سوى تحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب المناعة الوطنية». فعلا اقتبس من سجل أقوال ديوان رئاسة الحكومة. ودرعي كان سيفرح لدخول الائتلاف بدلا من بينت أو ليبرمان، وله معهما حساب مفتوح. وبلغات ودية من هذا الطراز معدة لتهيئة طريقه إلى داخل الحكومة إذا نشأ وضع لتبادل الشركاء في الحكومة.

وأمس أجرى الوزير يوفال شتاينتس، المقرّب من نتنياهو، مقابلة مع الإذاعة العبرية ودعا إلى تشكيل حكومة وحدة واسعة «على خلفية التطورات المثيرة والمركبة في الشرق الأوسط». الصوت صوت شتاينتس، الكلام كلام نتنياهو والتزامن لا يفاجئ أحدا. نتنياهو لا يريد حكومة 100 عضو كنيست. ليس حقا. إنه يريد إدخال حزب العمل والحريديم وأن يلقي بعيدا باثنين من شركائه الائتلافيين. الاحتمال؟ ضعيف جدا.

ودرعي لم يكن الداعم المفاجئ الوحيد الذي وقف إلى جانب نتنياهو مؤخرا. فقد حظي بسند هذا الأسبوع من خصمه الأكبر، الرئيس روبي ريفلين. قبل أسبوع اجتمع ريفلين ونتنياهو طوال ساعتين. قبل يومين أعرب ريفلين عن «تفهمه» للوضع المستحيل الذي يعيشه نتنياهو مع الكابينت.
وريفلين الذي يجتمع بوتيرة عالية مع جهات سياسية وأمنية عليا، يسمع منهم مرارا عن صعوبة ظهورهم أمام الكابينت، لعرض البدائل وإشراك أعضائه في الأفكار والاعتبارات، لأن الأمور تخرج عن سياقها لوسائل الإعلام. في تلك الأحاديث قال ريفلين إنه يصعب عليه اتهام نتنياهو بعشق الأحاديث الضيقة مع وزير الدفاع يعلون ورئيس الأركان بني غانتس. وأضاف أنه يتذكر أياما لم يكن أعضاء الكابينت يشركون الصحافة في انطباعاتهم عن الاجتماعات السرية. ووصف السجال العلني الدائر في تلك المداولات بأنه « مبلبل ومخترق». وهذا يثبت، ثانية، أن السياسة هي فن الممكن.

لعبة استغماية

حتى الأشد سخرية وخبرة بين الوزراء الذين حضروا اجتماع الكابينت يوم الخميس الفائت، قبل ثمانية أيام، خرجوا منه غاضبين. قال أحدهم لمساعده: «ببساطة كان مقرفا». قال آخر لمستشاره: «في حياتي لم أر شيئا كهذا». ثالث استخدم الكلمة العربية «جيفة» لوصف ما جرى في غرفة المداولات.
أربعة أيام ـ كانت أبدية!- كتم السر، إلى أن كشف المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد الفضيحة التي كانت خلف الإرباك (أو العكس): محاولة رئيس الحكومة أن يخفي عن وزرائه مسودة الاتفاق المصري لوقف النار، الذي كشفه وأدانه بتلذذ وزير الخارجية. نتنياهو لم يجد من الصائب إبلاغ رفاقه عن الورقة التي سلمها المصريون للمبعوثين الإسرائيليين، ومحاوريهم الفلسطينيين في القاهرة. كانوا سيبقون جاهلين لولا أن ليبرمان الذي يعيش من أجل لحظات كهذه، فاجأ الحضور وأبلغهم أن لديه نسخة من الوثيقة. ومرر يده على الأوراق التي كانت أمامه وتساءل لماذا ليس من حق الحضور الإطلاع على ما رآه قبل يومين ثلاثة الأسياد من حماس والجهاد الإسلامي. صحيح أن ليبرمان ليس ديبلوماسيا عظيما، لكن لديه مصادره. قال أحد أعضاء الكابينت «لست واثقا أن الوثيقة كانت لديه، لكنه بالتأكيد كان يعلم شيئا».
الوزراء، الذين شعروا بالإهانة، انتفضوا وطلبوا رؤية الورقة فورا. ارتبك نتنياهو جدا. يائير لبيد، الجالس بجوار ليبرمان، عرض عليه إنقاذ رئيس الحكومة من الحرج وعرض الوثيقة. ليبرمان، لأسبابه، رفض. نتنياهو حاجج مدعيا أن هذه مسودة من عدة مسودات وإسرائيل، أي هو، لم يقبلها.
واصل لبيد الانتقاد وقال: «كشخص كتب مقالات وكُتب، بوسعي القول كيف يعرفون مسودة: إنهم يضعون نجمة صغيرة على رأس كل صفحة ويكتبون مسودة». وانضم وزراء آخرون للحفل، إلى أن فر نتنياهو من الغرفة بدعوى أن رؤساء بلديات الجنوب ينتظرونه في لقاء قصير، ولم يعد. الوزراء تفرقوا من دون رضى. قال أحدهم من غير المشهورين بالتعاطف: «ببساطة أشفقت عليه».

عند التدقيق في ما جرى في تلك الجلسة تبينت التفاصيل التالية: قبل يوم من ذلك اجتمع في غرفة نتنياهو وزير الدفاع يعلون، وزير الاستخبارات شتاينتس وقادة عسكريون كبار للبحث في الوثيقة. مصدر مطلع وصفها بأنها «صادمة». الورقة المصرية تقريبا لم تأخذ مطالب إسرائيل بالحسبان. مثلا، لم ترد فيها البتة كلمة «نزع سلاح»، وبالمقابل مطلوب أن توافق إسرائيل على بناء ميناء في غزة. حسب المصدر، نتنياهو خشي أنه إذا اطلع أعضاء الكابينت على الوثيقة أن يعربوا عن غضبهم منها في وسائل الإعلام بكلمات حازمة، ما قد يشعل أزمة مع مصر ويهين رئيسها. والنزاع مع المشير عبد الفتاح السيسي هو آخر ما يحتاجه نتنياهو الآن.

وكان حاضرا أمام نتنياهو مثال ما حصل مع وثيقة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، التي صيغت في قطر وتركيا: رئيس الحكومة عرضها على الوزراء، الذين تقيأوا عليها، لكن لتجنب أزمة ديبلوماسية مع أميركا تقرر عدم اتخاذ قرار بشأنها. طلب نتنياهو من الوزراء عدم إطلاق تصريحات ضد كيري، لكن في طريقهم إلى بيوتهم، تم تسريب الوثيقة، والاقتباسات، والإدانات والكلام المسيء لوزير الخارجية والرئيس الأميركي للإذاعة وباقي الشبكات. والباقي غدا مدماك آخر في تاريخ العلاقات المؤلمة والمريرة بين البيت الأبيض ورئاسة الحكومة الإسرائيلية.

زعم أحد وزراء الكابينت هذا الأسبوع أن مصدر المتاعب هو تركيبة الوفد في القاهرة: رجل شاباك وثلاثة جنرالات: رئيس الشاباك يورام كوهين، رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد، منسق الأنشطة في المناطق الجنرال يؤآف مردخاي، ورئيس شعبة التخطيط في الجيش الجنرال نمرود شيفر. أحيانا كان ينضم إليهم المحامي اسحق مولخو، محامي نتنياهو. الطاقم لا يحوي أي سياسي.

تذمر الوزير بحق قائلا: «منذ متى يتركون الضباط يديرون مفاوضات أيضا سياسية، وليست فقط عسكرية؟ إن المؤسسة الأمنية تتعامل مع هذه المواجهة كمجابهة تكتيكية: لقد قتلوا لنا 64 جنديا، نحن قتلنا لهم ألف. لقد أصابوا لدينا عشرات البيوت، نحن جمرنا لهم آلاف البيوت، فجرنا الأنفاق ودمرنا راجمات، وسوينا بالأرض حيا أو اثنين، وأخذنا أسرى، وأعدنا مناطق في غزة عشرات السنين إلى الوراء. أي أننا عسكريا انتصرنا. صحيح أن حماس تلقت ضربة قاسية. لكن هذه رؤية ضيقة للصورة السياسية والإقليمية».

 

السابق
عون أمام تحدّي المطالبات بتنظيم «التيار الوطني الحر»
التالي
أميركا بالأبيض والأسود