تجربة حزب الدعوة الاسلامية في حكم العراق وضرورة المراجعة النقدية

قاسم قصير

نشأ حزب الدعوة الاسلامية في العراق في منتصف خمسينات القرن الماضي برعاية من المرجع الديني الشهيد السيد محمد باقر الصدر وبمشاركة ودعم عدد كبير من علماء ومفكري العراق ولبنان والخليج، وان كان السيد الصدر وعلماء اخرين تخلوا عن العمل التنظيمي المباشر لاسباب عديدة، لكن ذلك لم يمنع من انتشار الحزب وتمدده الى كل مناطق العراق والى خارج العراق وخصوصا لبنان والبحرين والامارات والاردن وسوريا ولاحقا ايران ودول اوروبية واميركية والى بعض دول شمال افريقية وان كان نشاطه الاساسي قد تركز في العراق ولبنان وبعض دول الخليج.

ومن المعروف ان الافكار الاساسية للحزب هي خليط من فكر الاخوان المسلمين وحزب التحرير مع اضافات من الاجتهادات والافكار الدينية والعملية من مدرسة اهل البيت والمرجعية النجفية، كما تأثر الحزب على الصعيد التنظيمي والعملي بالاحزاب اليسارية وخصوصا الشيوعية من خلال اعتماد السرية والخلايا واقامة الواجهات الاجتماعية والنقابية والطلابية.

وخاض حزب الدعوة الاسلامية وبالتعاون مع المرجعية الدينية في النجف الاشرف وقوى اسلامية اخرى كالحزب الاسلامي في العراق (وهو جناح الاخوان المسلمين العراقي) معركة قاسية ضد حزب البعث وحكمه ولاسيما في عهدي حسن البكر وصدام حسين مما ادى الى اعتقال واغتيال الالاف من قياديي وكوادر الحزب وحصول معارك قاسية داخل العراق وخارجه بين مؤيدي الحزب ومؤيدي الحكم البعثي، وتطور هذا الصراع الى معارك مسلحة خلال الحرب العراقية-الايرانية الى حين سقوط حكم صدام حسين على يد الاحتلال الاميركي.

وعاد حزب الدعوة وقياداتها اضافة لمعظم الاحزاب العراقية الى العراق وبدأوا حكم العراق بداية في ظل الوجود الاميركي المحتل ومن ثم بعد خروج الاحتلال، وكان لحزب الدعوة رغم كل ما عانه وكل الانشقاقات التي تعرض لها الدور البارز في حكم العرق خلال السنوات العشر الماضية ووصل عدد من قياديي الحزب الى موقع رئاسة مجلس الحكم الانتقالي ومن ثم رئاسة الحكومة اضافة لادارة المحافظات ومجلس النواب والعديد من الوظائف ومنهم نوري المالكي وابراهيم الجعفري واليوم حيدر العبادي.

ومع ان حزب الدعوة لم يكن الحاكم الوحيد والمطلق للعراق خلال السنوات العشر الماضية لكنه كان احد الاطراف الاساسية في الحكم،مما يجعله مسؤولا اساسيا عما جرى خلال هذه السنوات الماضية، وخصوصا عما حققه من اهداف سياسية واجتماعية وتنموية واين اصبحت افكاره وطروحاته الاسلامية على صعيد التطبيق العملي في ظل ما واجهه العراق من مشاكل وتحديات.

وبدون الدخول في تفاصيل هذه التجربة لان المجال لا يتسع للحديث عنها في مقال محدود، لكن الناظر الى الوضع العراقي اليوم يلحظ بوضوح ان هذه التجربة كانت فاشلة وبدل من ان تؤدي الى توحيد العراق ونشر العدالة وحماية حقوق الجميع ومواجهة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية ومواجهة الفساد وبناء دولة قوية، ها نحن اليوم امام دولة ممزقة تعاني من الطائفية والمذهبية وينتشر فيها الفساد والظلم والفوضى، وحزب الدعوة الاسلامية وقادته يتحملون مسؤولية كبرى عما حصل للعراق خلال السنوات الماضية.

واليوم وبعد التغيير الذي حصل على صعيد رئاسة الحكومة والاتيان بشخصية بديلة عن نوري المالكي وهو احد قيادات حزب الدعوة، فان على الحزب وقياداته ان يقدموا كشف حساب كامل سواءا امام محازبيهم وانصارهم او امام الشعب العراقي، فماذا حقق حزب الدعوة خلال حكمه، واين هي اهدافه وطروحاته الفكرية والاسلامية والتنموية، ومن يتحمل مسؤولية الفساد المستشري والفوضى القائمة اليوم؟ ولماذا فشل حزب الدعوة وغيره من القوى الاسلامية في العراق من اقامة الدولة العادلة والقوية والقادرة على ادارة البلاد؟

كل هذه الاسئلة يجب ان تطرح وتبحث بوضوح وصراحة وشفافية، لان المشكلة ليست بتغيير الاشخاص فقط بل بتغيير النهج والرؤية، والعراق اليوم يحتاج لرؤية جديدة قادرة على تصويب الامور واخذ العراق في الاتجاه الصحيح.

فهل يفعلها حزب الدعوة الاسلامية ويجري مراجعة نقدية لمسيرته في الحكم ام اننا سنشهد المزيد من الفشل والفوضى؟

السابق
يوم البطاركة في أربيل: بكاء ورجاء
التالي
(بالفيديو).. فلتان السير في لبنان