آلو… كهربا لبنان؟

كنا نسمع عن "فاطمة غول"، ولم نفهم مصيرها. نسمع عن الأعطال ولا نعرف. نعرف أن الجابي سيظهر بالفاتورة في نهاية كل شهرين وأنّنا إن أردنا أن نشتكي، سيجيب بلباقة: "إدفعوا ثم اعترضوا". الاعتراض سيكون مصيبة إن فاقت الفاتورة التوقعات. هل يمكن للبناني أن يتخيّل صعوبة أن يشتكي للدوائر الرسمية؟

كنا نسمع عن “فاطمة غول”، ولم نفهم مصيرها. نسمع عن الأعطال ولا نعرف. نعرف أن الجابي سيظهر بالفاتورة في نهاية كل شهرين وأنّنا إن أردنا أن نشتكي، سيجيب بلباقة: “إدفعوا ثم اعترضوا”. الاعتراض سيكون مصيبة إن فاقت الفاتورة التوقعات. هل يمكن للبناني أن يتخيّل صعوبة أن يشتكي للدوائر الرسمية؟
أردت في اليوم الماضي، لشدة غضبي وتوتري، أن “أتهوّر” وأتّصل بشركة كهرباء لبنان لأسأل عن الانقطاع المستمرّ للتيار الكهربائي. طبعاً، كان الوقت متأخراً وما من إجابة. والحال كان ليكون نفسه لو أنّي أجريت الاتصال خلال ساعات النهار.
عندما أخبرت أصدقائي بالأمر، ضحكوا وقال لي أحدهم: “لماذا تريدين أن تتصلي؟ مفكرة حالك بسويسرا”. صديق آخر قلّد الاتّصال، متظاهراً بأنّه عامل الهاتف واختزل المكالمة بالتالي: “آلو… ايه مادام… ما منعرف امتن بتجي… ايّ منطقة انتو؟ ممكن تجي بعد شوي او بعد ساعتين… نطري وشوفي… عم تسأليني ليش عم تقطع؟ ولو… نحنا بلبنان يا مادام”.
هذه هي المحادثة الافتراضية والردّ الّذي سأحصل عليه من قبل عامل الهاتف، على الأرجح. بات السؤال يؤرقني، لماذا نعاني من هذا النقص في الكهرباء في لبنان؟ وهل يجب أن نتكلّف أعباء إضافية ونذهب إلى أصحاب المولّدات أو أنّ الحال سيعود إلى ما كان عليه في بيروت الإدارية، أي 3 ساعات من التقنين يومياً فقط؟
“أصبري! ما تركبي اشتراك هلق، قال شهر الجاية بتظبط”، تقول لي جارتي، قبل أن أدخل إلى البيت لأرى التيار الكهربائي قد انقطع مجدداً. “مش دورنا تنقطع هلق”، أقول لها. ثم أسخر من سذاجتي. لم نعد نعرف شيئاً حيال هذا “الدور”!
لا كهرباء في لبنان، أدخل إلى موقع غوغل بحثاً عن أسباب هذه الأزمة. لا شيء حول ما يحدث مؤخراً. أقرأ تحقيقاً صحافياً يعود إلى عام 2011 في إحدى الصحف. أكتشف أن التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان قبل عام 1975 كانت 24/24، وكان لبنان يبيع الكهرباء إلى سوريا، الأمر الذي صار معكوساً بعدها. حتّى أن الكهرباء كانت مؤمنة 18 ساعة يومياً في العامين 1991 و1992 رغم خروج لبنان لتوه من الحرب وقتذاك.
وعلى الرغم من زيادة الإنفاق على الكهرباء منذ العام 2006، لم يتحسن وضع الكهرباء بل تدهور، وتراجعت معدلات التغذية في المناطق اللبنانية. يخلص التحقيق إلى أنه لم يتم اتخاذ أية خطوة منذ 1996 لتحسين واقع الكهرباء.
ويعدّد أسباب مشكلة التقنين وتفاقمها وأهمّها، العجز المالي في مؤسسة كهرباء لبنان، والنقص الكبير في المحطات وخطوط النقل والتوزيع، والأعطال المستمرة في معامل الإنتاج، والتعديات على الشبكات وسرقة التيار وتراجع الجباية، والأضرار التي أصابت الشبكة نتيجة أحداث عسكرية وأمنية، وزيادة الطلب على الإستهلاك دون توفر خطط لتوفير المزيد من الكهرباء، والنقص الكبير في الجهاز البشري العامل في المؤسسة، ومشكلة المياومين.
أقرأ وأقرأ وأنتهي بخلاصتي الخاصة: لست وزيرة طاقة ولن أصبح يوماً، ولا أنا خبيرة في أمور الكهرباء ولا أريد أن أصبح كذلك. لا آمل بأن نصبح بلداً “مضيئاً” في أيّ وقت قريب، لكن لا أستطيع تمالك أعصابي والامتناع عن “النّق”. أريد أن أتّصل وأسأل وأريد حراكاً شعبياً يضغط في اتّجاه المساءلة بخصوص الخدمات في لبنان. لماذا لدينا وزارات في البلد؟ أهي موجودة ليحضر رؤساها المؤتمرات الخارجية ويسافروا على نفق الدولة أم أنّ واجبها أن تجد الحلول لمعاناتنا كمواطنين؟ لماذا لا يخرج مسؤول واحد ليفسّر لنا ما يحدث؟
كنا نسمع عن “فاطمة غول”، ولم نفهم مصيرها. نسمع عن الأعطال ولا نعرف. نعرف أن الجابي سيظهر بالفاتورة في نهاية كل شهرين وأنّنا إن أردنا أن نشتكي، سيجيب بلباقة: “إدفعوا ثم اعترضوا”. الاعتراض سيكون مصيبة إن فاقت الفاتورة التوقعات. هل يمكن للبناني أن يتخيّل صعوبة أن يشتكي للدوائر الرسمية؟
كل يوم، حين تصيبنا العتمة، حين لا يعود التبريد شغالاً في المنزل ويتآكلنا الحر، لا نزال نشتم “جبران باسيل” على الرغم من أنّه لم يعد وزير طاقة، لكن اسمه أسهل من الوزير الحالي “آرتور نازايان” و”أخد لساننا عباسيل”. لكن، لا نزال أيضاً نفرح كالأطفال حين تعود إلينا، إنّها فرحة “إجت الكهربا”، فرحة نعرفها جيداً. هذه الفرحة تصبّرنا، لكنّها باتت للحظات أو ساعات قليلة جداً خلال النهار. لا شيء نفعله. لا شيء غير أن نرفع السماعة…آلو، كهربا لبنان؟

 

السابق
خطأ ’استخباراتي’ يُفشل عملية عسكرية لتحرير رهائن لدى داعش
التالي
العدو يمشط في محور الوزاني