دروز لبنان يراقبون بقلق ما يجري في السويداء

أثبتت الحرب في سوريا انه ما من مكانٍ للحياد في منطقةٍ يشتعلُ فيها التطرّف على أشكاله، هكذا وصلت نيران الحرب إلى بلدة داما وقرية شانية في ريف السويداء وتعرّضَ دروز المنطقة لهجومٍ من البدو المدعومين من “جبهة النصرة”، ممّا أدّى إلى مقتل ما بين 12 و16 شيخاً، وفق تقارير اعلامية ومصادر أهلية.

ويشكّل الدروز غالبية سكان السويداء التي حاولت جاهدةً إبعاد نفسها عن الصراعات الناشبة في البلاد، وفي حين تعتبر طائفة الموحدين الدروز من الأقليات في المنطقة، يشعر دروز لبنان بتعاطفٍ خاص مع دروز سوريا ويتخوفون على مصير هؤلاء.
خلال السنوات الماضية ومنذ بدء الأزمة السورية، حافظَ دروز سوريا على حيادهم حيال الصراع الدائر في البلاد معتمدين سياسة النأي بالنفس. ولكنّهم اليوم يُزجّون في المعركة مرغمين، فقتلُ مشايخ من الطائفة أخرج الموحدين الدروز عنوةً من دائرة الحياد ليصبح جبل العرب في قلب العاصفة.

أوقات الشدائد

ومن المعروف عن الموحدين الدروز تضامنهم في أوقات الشدائد، فما يحصل في جبل العرب، ومع ان البعض يعتبره شأناً سورياً، يشكّل خطراً وجودياً على طائفة الموحدين ككلّ ويتساءل العديد من الأشخاص عمّا إذا كان الدروز سيتّبعون خطى أفرقاء لبنانية أخرى ويتدخّلون في الشأن السوري حمايةً لأهلهم في سوريا.
وفي هذا الإطار، تحدثنا مع شباب لبنانيين ينتمون إلى طائفة الموحدين ورأى البعض منهم انه على دروز لبنان ان “يبقوا على حياد” وانّهم يشعرون “بالتعاطف لا أكثر” مع دروز سوريا، ليرى البعض الآخر ان “المؤازرة الفعليّة والمادية حاجة ملحّة في ظلّ الظروف التي تعيشها الطائفة”.
وأكد زياد، الشاب الدرزي الذي يعيش في منطقة قريبة من الحدود اللبنانية السورية ان “الدروز لا يعتدون على أحد وإنّما هناك مؤامرة لتقسيم المنطقة”، وأضاف: “لا أحد يملك قراره، فهناك قرار دولي لتسهيل تفكيك المنطقة وكنّا نتمنّى ألّا نكون جزءاً من هذا المخطط”، مشيراً إلى ان “دروز لبنان لم ولن يقصّروا في حق أهلهم في جبل العرب فأهمّ شيء عندنا هو الكرامة والاستقرار في مناطقنا”.
أمّا جاد فقد رأى ان “دروز سوريا لا يحتاجون إلى دروز لبنان لحمايتهم فعددهم يقارب الـ 550 ألف درزي، وعددنا في لبنان لا يفوق الـ 200 ألف درزي”، متابعاً: “علينا أن نحميَ أنفسنا داخل وطننا، أمّا دروز سوريا فهناك من يسلّحهم ونحن نساندهم بما يتوفّر لنا من إمكانات وندعمهم معنوياً لكن لن نتدخّل مباشرةً”.

حادثة عابرة؟

واعتبر القاضي عباس الحلبي في حديث لـ”النهار” ان “ما يحصل في المنطقة في شكلٍ عام أمرٌ مؤسف لا تنعكس مضاعفاته على الدروز وحدهم إنّما على كل الطوائف وفي الأخص على المسلمين المعتدلين”، متمنّياً ان تكون حادثة جبل العرب عابرةً.
وفي الحديث عن احتمال تدخّل دروز لبنان حماية لأهلهم في السويداء، فقد رأى الحلبي ان “دروز سوريا خزّانٌ بشري وليسوا بحاجةٍ إلى أحد ليدافع عنهم”، لافتاً إلى انّ “دروز لبنان لن يسمحوا ان يتمّ استدراجهم كبعض الأطراف اللبنانية للتدخّل في الحرب السورية”.
وقال مصدرٌ في “الحزب التقدمي الاشتراكي” لـ”النهار” ان “الهدف ممّا يحصل اليوم في جبل العرب وتحديداً في دير ديما هو جرّ الدروز إلى ساحة المعركة”، معتبراً انه “قد تكون هناك حالات فردية يذهب فيها شباب للقتال في سوريا حمايةً لأهل السويداء ولكنّ القيادات الدرزية في لبنان تستبعد التدخل في سوريا وترفضه”. وأكد ان الدروز يعارضون فكرة التسلّح الذاتي “لأننا رأينا أفرقاء لبنانيين يعتمدون هذه الاستراتيجية التي تبيّن انها غير ناجحة”.
في المقابل، قال مستشار النائب طلال ارسلان الدكتور سليم حماده لـ”النهار” انّ الحزب الديموقراطي اللبناني “حذّر مراراً من إمكانية توسيع عمليّة “داعش” لتطال الأقليات المذهبيّة والطائفية مسيحية كانت أم درزية أم إيزيدية…”، مشيراً إلى ان “مشروع “داعش” لا يستند إلى إيديولوجيا اسلامية كما يُشاع وان الهدف منه خدمة مشروع اسرائيل”. وأضاف: “ما حصل في السويداء كان متوقعاً في سياق هذا المشروع “.
أمّا في ما يتعلّق برأي “الحزب الديموقراطي” من مشروع الأمن الذاتي، فقد رأى حماده ان “هذا ما يُراد لنا في الوطن العربي لنتحوّل كانتونات أمنيّة وسياسية ثمّ إلى دويلات صغيرة تبدأ بنسج تحالفاتها كلٌّ من منظارها فتنقسم المنطقة، وهذا ما حاولت اسرائيل فعله منذ القدم”. وفي ما يخصّ احتمال التدخّل في سوريا، فقد اعتبر حماده ان “التدخل الفعلي أمرٌ غير مطروح وموضوعٌ سابق لأوانه”.
وبطبيعة الحال، تنقسم آراء الشخصيات الدرزية اللبنانية بين متّهم للنظام السوري وبين داعٍ للوقوف إلى جانبه، إذ صرّح رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط أمس ان ما حصل في السويداء من صنع النظام السوري الذي وبرأيه “يركّز على تأليب المناطق والطوائف والمذاهب أحدها على الآخر وإشعال نار الفتنة المتنقلة، بما يتيح له إعادة بسط سيطرته وسطوته الأمنية والسياسية في مواقع مختلفة في سوريا”، في حين دعت أطراف درزية أخرى كـ”الحزب الديموقراطي” إلى الوقوف بجانب الدولة السورية حفاظاً على أمن دروز جبل العرب.
رغم تمايز موقف دروز لبنان تبعاً لانتماءاتهم السياسية مما يجري في سوريا، الا ان الجامع بينهم يبقى الدعوة إلى ضبط النفس وعدم السماح باستدراجهم إلى المعركة، وفي هذا السياق اعتبر جاد ان “كوننا من الأقليات يجعلنا أكثر عرضةً للخطر، فأعدادنا قليلة، وأن يقضيَ من الطائفة ١٢ و١٦ شيخاً، كما تصلنا الأخبار، أمرٌ لا يُستهان به”. وفي حين اعتبر زياد ان “الدروز جسمٌ واحدٌ لا يتجزّأ”، استشهد جاد بكلام الزعيم كمال جنبلاط قائلاً: “نحن شعبٌ لا يعادي ولا يعتدي بل يدافع وينتصر”، لتترك هذه العبارات الأخيرة تساؤلاتٍ كبيرة تحدّد الأيام الآتية أجوبتها.

السابق
الحكومة تفخر بمخالفة القانون
التالي
غزة تشتعل مجدداً وتعليق مفاوضات القاهرة