التيارات الإسلامية والظاهرة الداعشية

فتح الاسلام

رغم مخاطر صعود الجماعات الاسلامية العنيفة والتكفيرية على المجتمعات العربية، وعلى وحدتها وثقافتها واستقرارها، إلا أن التيارات الإسلامية الوسطية، مازالت قاصرة عن القيام بدورها في مواجهة هذه الجماعات، لاسيما في المجال النظري.

هكذا يصعب إيجاد مواقف واضحة تدحض ادعاءات وممارسات “داعش” أو “جبهة النصرة” الاجرامية والتكفيرية، او أي من الجماعات المتطرفة والعنيفة، التي تدعي الوصاية على الدين والوكالة عن الله، وتنكل بالمجتمع، بالمسلمين وغير المسلمين، ربما باستثناء اجتهادات حركة النهضة التونسية، وقادتها، وبخاصة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.
السؤال هنا عن مواقف جماعات، وليس أشخاص، لاسيما عن التيار الإسلامي الأعرض والأقدم، أي الاخوان المسلمين في سوريا ومصر والأردن وفلسطين(“حماس”)، علماً أن الحركة الأخيرة استأصلت ظاهرة كهذه في غزة، بالعنف.
فمع كل التقدير لرفض جماعات “الإخوان” لادعاءات “داعش”، وأخواتها، وإدانتها لممارساتها، إلا أن ذلك تركّز على الممارسات المشينة والإجرامية لهذه الجماعات المتطرفة، في حين الأجدى، والمطلوب، دحض منطلقاتها النظرية، وضمنها فكرة تطبيق الحدود، التي تعتبر عند كثير من الفقهاء مجرد حد اقصى، سيما ان التاريخ الاسلامي لم يعرفها على هذا النحو الظالم والتعسّفي، إذ تجنّبت التيارات الاسلامية أي نقد لهذا المجال. هذا ينطبق، أيضاً، على فكرتي “الحاكمية”، والخلافة، وهما ليستا من الدين أصلا، وإنما اجتهادات بشرية تم تبنيها في مرحلة مابعد النبوة.
هكذا لم تفنّد التيارات الاسلامية فكرة الحاكمية، التي تؤسس لقيام سلطة تحتكر تفسير الدين، وتدعي العصمة، والقدسية، باعتبارها ذاتها بمثابة وكيلة الله على الارض، ما يخلق سلطة مستبدة، تضع نفسها فوق الشعب، وبالتالي خارج المساءلة والمحاسبة. أما انتقادها فكرة الخلافة الداعشية فقد انصبّ على التسرّع في إعلانها، وعدم توافر الظروف المناسبة، عوض اعتبار الخلافة مجرد نظام سياسي، تم الأخذ به في مرحلة معينة، وليس من أحكام الدين.
وأخيرا تأتي مسألة حرية الرأي والتعبير والمعتقد وفق قوله تعالى “لا اكراه في الدين”، و من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “، و”ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”، و”لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا”، فهذه يجري تجاهلها تماماً.
وتكمن مشكلة جماعة الإخوان السوريين، مثلاً، وضمن ذلك نقدها داعش، في عدم تمسكها بوثيقتها لـ “العهد والميثاق” (آذار 2012)، التي تؤكد التزامها بدولة القانون المدنية ـ الديموقراطية وبالحرية والمساواة للمواطنين، وعدم تحويلها ثقافة عامة في أوساطها. إذ كان من شأن ذلك تقديم صورة اخرى عن تيار اسلامي منفتح ومتكيّف مع الواقع والعصر والعالم، يعزز مكانته في مجتمع السوريين بمختلف تلاوينهم وطوائفهم، ويضع حدا لأدعياء الاسلام من أمراء الحرب في سوريا.

السابق
البطاركة غادروا الى آربيل
التالي
هل لبنان أمام «خطر وجودي»؟