العودة إلى العراق

كان إسقاط حفنة من القنابل زنة 500 رطل على «أيا كانت أسماؤهم» من الأمور الداعية إلى البهجة والسعادة.
وجاء ذلك فقط عندما اعتقد الأميركيون أنه يمكن التوقف عن سبر غور الفرق بين السنة والشيعة. إننا في حرب جديدة في العراق مع بعض «الناس» السيئين (على حد تعبير الرئيس الأميركي) الذين لا تزال أسماؤهم الحقيقية مبهمة لدى بعضنا.
نحن لا نعرف على وجه اليقين ما الذي نخوضه ونفعله هناك، وفي هذه المرة لا يمكننا حتى الاتفاق على وصفهم بـ«العدو». كل ما نعرفه أن هناك قوة همجية تنتشر بسرعة كبيرة وبوحشية شديدة عبر منطقة الشرق الأوسط، كما لو كان الأمر يبدو مثل فيروس متحول من أفلام الخيال العلمي.
معظم وكالات الأنباء تدعو نواة «القاعدة الكبريتية» التي تقود حالة الهياج الراهن في العراق باسم «داعش»، اختصارا لاسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن بعض الناس بدأوا يشيرون إلى أولئك الجهاديين باسم «داعش»، وهو توصيف يعترض عليه المتطرفون للغاية نظرا لما يحمله من تحقير يستند إلى اختصار للحروف الأولى من الاسم العربي «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
إنه أمر غريب بعض الشيء أن تستخدم الإدارة الأميركية مصطلح «the Levant»، نظرا لأنه يستحضر الرابطة الاستعمارية منذ بدايات القرن العشرين، حينما قامت بريطانيا وفرنسا بترسيم الحدود، لتنحت منطقة بلاد ما بين النهرين على أساس المكاسب الاقتصادية بدلا من الانتماءات القبلية.
وإذا لم يسبب كل ذلك ما يكفي من الحيرة، فيجب علينا كذلك إدراك الاسم الجديد في الحروب الدينية الخبيثة الجارية في العراق: الإيزيديين، هم طائفة صغيرة وسرية تنتمي إلى واحدة من أقدم الديانات في العالم. تتأصل جذور إيمانهم في الديانة الإسلامية والزرادشتية. وكما يشير الزمن، فرغم أن اسم «إيزيدي» يُترجم إلى «عباد الإله»، فإن «داعش» يعدهم من «عباد الشيطان» الذين يتحتم تحولهم إلى الإسلام، أو يتعرضون للقتل.
يعمل «داعش» على تعذيب تلك الطائفة من دون وجه حق، وقد نجت من 72 محاولة للإبادة الجماعية، على نحو ما وضحت صحيفة «تلغراف»، بسبب أن الإيزيديين يتعبدون للملاك المطرود المسمى الملاك الطاووس. دعونا نأمل أن التقدم الأميركي في الأحداث هو أقل الشرور، وأن الرئيس باراك أوباما كان على حق حينما لم يسعَ لإسقاط نوري المالكي بدعوى تجنب الموت والدمار.
ورغم أنها لحظات تلقي بشعور جارف، مع رؤية الطيارين الأميركيين يحاولون إنقاذ أرواح الأبرياء في دولة أخفقنا فيها بشدة، حتى إنها لم تعد دولة كما كانت، وقد حذر بعض النقاد من أن القصف المزعج ليس إلا إشارة سياسية، وليس استراتيجية عسكرية بالمعنى المعروف، وأنه «تقريبا أسوأ من لا شيء»، على حد وصف السيناتور جون ماكين.
وكانت الجولة الأخيرة من العبث في العراق قد أبرزت الكيفية التي نحافظ بها على انسحابنا، على طريقة «الأب الروحي»، من دون إدراكنا للثقافة. فتدخلنا السياسي الأهوج لم يخلق إلا وحوشا أكثر ضراوة.
وبعض الديمقراطيين مغتاظون من أن الانسحاب من العراق سوف يكون له مردود قوي، بعدما صرح جوش أرنست، المتحدث الرسمي باسم الرئيس أوباما، قائلا: «لم يحدد الرئيس تاريخا محددا».
العراق، بعد كل شيء، دولة تتسم بجاذبية مغناطيسية خبيثة تجاه قادتنا.

السابق
خسارة افتتاحية أولى لـ’مانشستر يونايتد’ منذ 1972
التالي
توقيف 4 مياومين في صور بعد إشكال مع القوى الأمنية