الراعي:الميثاق الوطني بمثابة الروح للكيان اللبناني القائم على لاءين: لا للتيوقراطية الدينية ولا للعلمنة الالحادية

البطريرك بشارة الراعي

نظمت المؤسسة المارونية للانتشار بالتعاون مع مؤسسة انطوان الشويري حفل تخريج 70 طالبا وطالبة لبنانيين من دول الانتشار، ضمن دورة انطوان الشويري، خلال حفل عشاء اقيم في مركز بيروت للمعارض ” البيال ” في وسط بيروت، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضوره الى وزير العمل سجعان قزي، الوزراء السابقين زياد بارود، نايلة معوض ويوسف سعادة، النائب ستريدا جعجع ممثلة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، النائبين نعمة الله ابي نصر وصولانج الجميل، عميد المؤسسة المارونية للانتشار الوزير السابق ميشال ادة، السيدة منى الهراوي، رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، ارملة انطوان الشويري السيدة روز ونجله بيار، الى جانب حشد كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية والروحية والفكرية والاعلامية.

ادة

بعد كلمة لعريف الحفل الاعلامي مارسيل غانم، القى العميد ادة كلمة قال فيها: “بعميق الشكر والامتنان اتوجه الى غبطة ابينا على تفضله برعاية هذا الحفل، البهيج بلم شمل شباب الانتشار اللبناني مع لبنان الام، وعلى مباركته الرسولية الملهمة لنشاط مؤسستنا وعملنا وفق توجيهاته.
وبخالص الشكر والامتنان، اوجه الى السيدة الفاضلة والصديقة العزيزة روز الشويري، قرينة الراحل الكبير والماروني الاصيل المرحوم انطوان الشويري، وهي التي تتابع مع اولادها بكل اخلاص خط سيره ومبادراته في خدمة لبنان وابناء الكنيسة المارونية وسائر المسيحيين مقيمين ومنتشرين. ونحن اليوم عندما نحتفل بتخريج طلاب دورة العام 2014 من ابناء المتحدرين، بعدما نفذوا برنامجا غنيا بالزيارات والاتصالات واللقاءات والحوارات. ما مكنهم من التعرف على الوطن المتحدرين منه، انما نحتفل بنجاح المؤسسة المارونية للانتشار بالمضي قدما في ربط المنتشرين الموارنة وسائر المسيحيين والمتحدرين منهم بالوطن الام. نستطيع في ضوء تجربة هذا العام ودورات التخرج السابقة، ان نؤكد ان مؤسستنا تتلمس اكثر فاكثر سلامة نهجها بالعمل وسط الشباب المتحدرين، وهذا على صعيد تعزيز روح الانتماء والفخر بوطن الاباء والاجداد. وعلى صعيد النجاح في ان يشكل الطلاب المتخرجون من دوراتنا هنا نواة من رسل وسفراء للمؤسسة في بلدان اقامتهم على صعيد خلق شبكة تواصل في ما بين المتحدرين انفسهم وتعزيز الروابط في ما بينهم. وعلى صعيد تعريف الطلاب المنتشرين على وجه لبنان الحضاري والثقافي والمجتمعي.
وعلى ان تكون دورتهم في لبنان في مثابة نداء من قبلهم، ومن خلالهم الى اقرانهم وزملائهم المنتشرين، نداء للافتخار بالجنسية اللبنانية وللاعتزاز بالانتماء الى لبنان.
وكيف لا؟ وهذا اللبنان وطنهم الام هو البلد الوحيد الذي للمسيحية وللمسيحيين فيه وجود تاريخي ووجود راسخ ثابت مشرق في قلب هذا الشرق، فيما المسيحيون الاصلاء في بلدان مجاورة اخرى في الشرق ذاته يتعرضون للاقتلاع والتنكيل والمذابح والتهجير”.

وختم اده: “ان اهم درس من دروس دورات هذا التخرج للشباب المنتشر هو التمسك بالتراث الماروني والمسيحي العريق، تراث التجذر في هذه الارض المقدسة والانفتاح في الوقت نفسه، به، بهذا التراث يدافعون عن بقاء المسيحية والمسيحيين بل عن مستقبل هذه البلدان ذاتها بجميع ابنائها. وهي البلدان التي كانت المسيحية المتأصلة في ربوعها – ولسوف تبقى – عاملا اساسيا وفاعلا مستمرا من اجل تقدمها وحضورها الكريم في قلب هذا العالم وليس على هامشه. ان لنا في تراث كنيستنا المارونية العزيزة وتجذرها ونجددها هير مرشد وخير هاد للمسيحيين اجمعين”.

الراعي

والقى الراعي كلمة قال فيها: “يسعدني ان اشارك في حفل تخرج المنتسبين الى الاكاديمية المارونية للعام 2014، الذي يحمل اسم “دورة انطوان شويري” وقد دعت الى هذا الاحتفال المؤسسة المارونية للانتشار، بشخص رئيسها معالي الوزير ميشال ادة، والاكاديمية المارونية المنبثقة منها، بشخص رئيسها السيدة روز شويري. فيطيب لي ان احيي شبابنا وشاباتنا من اصل لبناني الذين اتوا من عشرين بلدا، من بلدان الانتشار، بعدما شاركوا في الدورة التثقيفية التي نظمتها الاكاديمية المارونية عبر الانترنت لمدة اربعة اشهر، وتابعها 600 طالب وطالبة، فنجح 300، واختير منهم 60 وفقا لمعايير محددة، وبعد مقابلات شفوية عبر “سكايب”، وها نحن اليوم نحتفل بتخريجهم في هذا الاحتفال المهيب. اني اهنئكم، ايها الشبان والشابات، بنجاحكم، واشكر معكم المؤسسة المارونية للانتشار واكاديميتها المارونية، التي نظمت لكم الاقامة في لبنان و20 محاضرة قدمها اخصائيون في علم التاريخ والاقتصاد والتربية، في رحاب جامعة الروح القدس الكسليك، وقد استقبلتكم وقدمت لكم كل التسهيلات اللازمة. فاني اشكرها معكم بشخص رئيسها الاب هادي محفوظ. واود الاعراب عن تقديري وشكري لجميع الذين هيأوا لكم لمدة اربعة اشهر، عبر الانترنت، مواضيع تاريخ لبنان بعامة والموارنة بخاصة، ومضمون رسالة شارل مالك الى الموارنة، والثقافة اللبنانية والشكر كل الشكر لجميع الذين نظموا احتفال التخرج في مجمع البيال، ولا سيما السيدة روز الشويري التي شاءت ان تسمى دورتكم “بدورة انطوان شويري “احياء لذكراه”.

وتابع: “فرحتنا عظيمة بكم، ايها الشبان والشابات المتحدرون من اصل لبناني، لانكم هنا في هذا الوطن الام، وطن الآباء والاجداد. فانتم بفضل المؤسسة المارونية للانتشار والاكاديمية المارونية، توثقون الروابط بين لبنان المقيم واللبنانيين المنتشرين، بين الكنيسة الام وابنائها وبناتها في كنائس الانتشار. كما انكم تمارسون التبادل الثقافي والحضاري بين اوطانكم الحالية والوطن الام، وبين شباب الانتشار وشباب لبنان، عملا بتوصيات المجمع الماروني في نصه الرابع: الكنيسة المارونية في انتشارها العالمي لقد تعرفتم على تاريخ لبنان وتاريخ الموارنة من خلال المحاضرات والمشاهدة. جلتم في مناطقه وآثاره، وعرفتم بالاختبار والمعايشة شعبه وثقافته واطلعتم على اهمية دوره بحكم موقعه على حوض البحر المتوسط، ما مكنه ان يكون جسرا بين الشرق والغرب على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. على ارضه تعاقبت حضارات الشعوب، على مدى خمسة الاف عاما قبل المسيح، فكونت عند شعبه ثقافة الانفتاح على الاخر المختلف، وثقافة التواصل والتعاون على مختلف الاصعدة. وهكذا تلاقت الاديان على ارضه، وجعلت منه ارضا نموذجية لحوار الحضارات، حيث اناس متنوعون ثقافيا ودينيا ارتضوا العيش معا، والتزموا بناء مجتمع سلام وحوار وعيش مشترك. وفي رحابه تحقق ويتحقق العيش معا بين المسيحيين والمسلمين، بشكل ينظمه الدستور، على قاعدة المساواة والمشاركة المتوازنة في الحكم والادارة. وتحققت وما زالت المبادرات المسكونية بفضل تواجد جميع الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستنتية. والكل في مناخ من حرية العبادة والمعتقد، وحرية الرأي والتعبير، واحترام جميع حقوق الانسان وفقا للشرعة الدولية. وبفضل الميثاق الوطني، القائم على حرية الافراد والجماعات والمساواة وارادة العيش معا بين المسيحيين والمسلمين، يتميز نظام لبنان السياسي بانه متوسط بين النظام التيوقراطي الديني الذي يجمع بين الدين والدولة، كما هي الحال في جميع البلدان العربية والاسلامية، والنظام العلماني الذي يفصل بين الدين والدولة، ولكنه لا يفصل بين الدولة والله، اذ يحترم شريعة الله الموحاة في الديانات الثلاث الموحدة، اليهودية والمسيحية والاسلام، والشريعة الطبيعية المكتوبة في الكائن البشري وسائر المخلوقات.
هذا الميثاق الوطني هو في مثابة الروح للكيان اللبناني القائم على لاءين: لا للتيوقراطية الدينية ولا للعلمنة الالحادية، وعلى هوية واضحة هي ان لبنان جمهورية مستقلة استقلالا تاما، عربي الهوية والانتماء، ومتعاون مع الدول العربية والاجنبية، مع حفظ التوازن بين الجميع، من دون ان يكون لاي منها وصاية او امتياز او اتحاد”.

اضاف: “لقد جسد اللبنانيون ميثاقهم الوطني بكل مكوناته في الصيغة الميثاقية المتركزة على المشاركة بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والادارة، وفقا لمندرجات الدستور، على قاعدة الوحدة في التنوع، واعتبار كل مكون من مكونات المجتمع اللبناني قيمة مضافة في النسيج الوطني الواحد. بفضل هذه الخصوصية التي تميز لبنان، سمي القديس البابا يوحنا بولس الثاني لبنان نموذجا للشرق كما للغرب، وقال عنه انه اكثر من بلد، هو رسالة. هذه الميزة التي يتحلى بها لبنان، وطن الاباء والاجداد، هي لكم مدعاة فخر واعتزاز، تعبر عنها الشهادة التي ستستلمونها في هذا الاحتفال لدى البعثات الدبلوماسية اللبنانية في بلدانكم، فتحصلوا على الجنسية اللبنانية التي تعطيكم واجيالكم من بعدكم جميع الحقوق المدنية، وتبقى اسماؤكم مزينة لسجلات النفوس اللبنانية، فلا تشطب منها كما تشطب اسماء المتوفين والمهاجر لا يمكن ان يساوى بالميت”.

وختم الراعي: “عودوا الى اوطانكم التي ولدتم فيها، وانتم تمحضونها محبتكم واخلاصكم وثقتكم، وكونوا الى جانب سفرائنا وبعثاتنا الدبلوماسية فيها، خير سفراء للبنان تحملون قضيته وتدافعون عن هويته ورسالته في المحيطين العربي والاسلامي وأسهموا بتقاليدكم اللبنانية وثقافتكم الاصلية، بما فيها من قيم روحية واخلاقية، ومن حرارة انسانية واجتماعية، في اغناء اوطانكم وحضاراتها.
احملوا لبنان في قلوبكم، أسهموا في المحافظة على كيانه وميثاقه وصيغته، طالبوا حكامه والمسؤولين السياسيين بالامانة والاخلاص للبنان ومؤسساته الدستورية، وطالبوا نواب الامة باداء واجبهم الاساسي والجوهري، بانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، رئيس يكون بشخصيته وتاريخه ونبله وتجرده على قدر التحديات الداخلية والاقليمية الراهنة، لكي يستقيم عمل المجلس النيابي في الاشتراع والمحاسبة والمساءلة، ولكي تستطيع الحكومة ممارسة كامل مهامها الاجرائية. وعند ذلك يتمكن لبنان من اداء دوره كخميرة في عجين العالم العربي والاسلامي، تساعده على العبور الى ربيع حقيقي قائم على التنوع والانتفتاح وعلى قيم الحداثة والعولمة والديمقرطية والحريات العامة وحقوق الانسان”.

السابق
حين لا ينفع الرتق والترقيع
التالي
اخماد حريق شب في حلبا ليلا بسبب المفرقعات النارية