هيئة التنسيق تصرّ على إقرار السلسلة كحل وحيد

نفّذ المعلمون والموظفون اعتصاماً حماسياً أمس، غلب عليه الاحتفاء بانتصارهم أول من أمس في معركة صون وحدة هيئة التنسيق النقابية ومنع تصحيح الامتحانات وتجميد إصدار الإفادات. لكن على بعد أمتار قليلة من مكان اعتصامهم، كان النواب يخرجون من مجلسهم مرددين أن لا جديد طرأ في المشاورات السياسية بشأن سلسلة الرتب والرواتب، ولا يزال الأفق ضبابياً بشأن عقد جلسة تشريعية قريبة، إذا لم تحل عقدة انتخاب رئيس للجمهورية.

تكاد المشاورات السياسية في شأن احتمال عقد جلسة تشريعية قريباً، تنحصر بلاعبين أساسيين: رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري. حتى الآن لا يبدو أن أحداً متفائل حيال تحديد موعد لهذه الجلسة، إذ إن «التشريع متعذر في ظل استمرار الخلاف حول انتخاب رئيس للجمهورية»، أو هذا ما أبلغته أمس النائبة بهية الحريري لوفد هيئة التنسيق النقابية، في اجتماع عقد في المجلس النيابي بحضور وزير التربية الياس بو صعب.

الجو نفسه نقله أمس نواب عن بري الذي لم يتلق، كما قالوا، أي مبادرة عملية لعقد الجلسة، رغم كل التسهيلات التي قدمها على هذا الصعيد. وقال بري أمام زوار لقاء الأربعاء النيابي إن موقفه المعارض لتمديد ولاية مجلس النواب «لا يندرج في إطار المناورة السياسية كما يتراءى للبعض، إذ ما هي فائدة التمديد لمجلس معطل لا يشرع ولا يؤدي دوره كاملاً؟»، مؤكداً تمسكه بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وقال إن المدخل لحل قضية سلسلة الرواتب هو «نزول النواب إلى المجلس لاستكمال مناقشة السلسلة ولإقرارها». وردد أكثر من مرة أنّ السلسلة ستكون بنداً أول على أول جلسة تشريعية.
أمس، كان مقرراً أن يلتقي الرئيس الحريري هيئة التنسيق النقابية، إلا أنّه كلّف النائبة الحريري نقل موقفه من ملف السلسلة إلى الهيئة، بسبب سفره إلى جدة لإجراء مشاورات حول الهبة السعودية. النائبة الحريري رمت الكرة في ملعب هيئة التنسيق، إذ تركت للهيئة حرية أخذ القرار المناسب لحفظ حقوق الطلاب بالشهادة الرسمية، أي بشكل أو بآخر، العودة إلى تصحيح الامتحانات الرسمية، بما أن «الأفق مقفل ولا مجال لعقد جلسة الآن»، واعدة باستكمال المساعي من جانبها. أما هيئة التنسيق، فقد طالبتها بالسعي باتجاه الرئيس بري والاتفاق معه على تحديد جلسة بداية الأسبوع المقبل، فأجابت بأنها ستحاول، لكن لا تعدهم بذلك.
وكانت هيئة التنسيق قد نفذت إضراباً في الإدارات العامة لليوم الثاني على التوالي، ترافق مع اعتصام أقامته في ساحة رياض الصلح. وأكدت مكوناتها أنها ستحافظ على وحدتها في وجه محاولات ضربها وتقسيمها وتفكيكها.

المعتصمون اتخذوا من فيء الأشجار المحيطة بالساحة مكاناً للتجمع. وقد عمد كثيرون إلى اصطحاب أفراد عائلاتهم، باعتبار أنّ «المعركة تستحق»، كما يقولون. لعلّ أصغر المشاركين سنّاً كانت رغيد (5 أشهر) التي أصرّت والدتها على أن تحضرها وأخواتها لمساندة ياسين (الوالد)، وهو أستاذ ثانوي منذ 9 سنوات. تقول إننا «أتينا مع زوجي من عكّار لإعطائه الدعم ولنكون فأل خير عليه». وعلى الرغم من أن ياسين لا يأمل خيراً من النواب، إلا أنه يرى في اصطحاب أبنائه وسيلة لتعليمهم العمل النقابي الديموقراطي، على حد تعبيره. رغيد ليست الوحيدة التي أتت لدعم أبيها من عكّار، فلين (10 أعوام) قدمت مع أمها إلى الاعتصام. تعلق الوالدة: «ابنتي أتت لتطالب بحقوق توظيفها في ما بعد، أنا كم سنة وبطلع تقاعد، وهناك استخفاف خطير بمستقبل الوظيفة بالدولة».

معتصمون كثر قالوا إنّ تحرّكاتهم تجاوزت إقرار السلسلة، إلى معركة الحقوق والكرامة. وأشار رئيس دائرة التعليم الأساسي الرسمي هادي زلزلي إلى أن الهيئة تثبت يوماً بعد اليوم أنّه يستحيل تجاوز مطالبها أو القفز عنها. أما دوللي، أستاذة لغة فرنسية، (62 عاماً)، فرأت أن «وزير التربية فشل في شرذمتنا سياسياً». المعلّمة الستينية كتائبية الهوى، وهي تغلّب العمل النقابي على أي عمل سياسي. برأيها، وحده الجسم النقابي المستقل كفيل بالحفاظ على حقوق الناس.
ثروت (معلمة علوم حياة) أتت من البقاع للمشاركة في الاعتصام سائلة: «طالبوا بزيادة ساعات عملنا لزيادة إنتاجيتنا، فأين إنتاجيتهم؟»، فيما يتدخل زميل لها ليقول: «التشريع الوحيد اللي بيعملو النواب هوي انو يمددوا لأنفسهم».
لم يضم المعتصمون أعداداً كبيرة من غير المستفيدين من السلسلة، وإن لم تخلُ الساحة من بعض «المشجعين». اللافت أن هناك مجموعة من طلاب الشهادات الرسمية (الثانوي) نزلوا لدعم الهيئة، وبخلاف الكثير من الطلاب والأهالي، أكدوا أحقية المطالب. «هناك الكثير من زملائنا لم يستطيعوا الحضور بسبب رفض أهاليهم»، تقول إحدى الطالبات التي حُرمت منحةً في الخارج بسبب تأخير إصدار النتائج، مشيرة إلى «مسؤولية الدولة عن ضياع هذه الفرصة، لا هيئة التنسيق». في هذا الصدد يؤكد المعلمون أن معظم أبنائهم هم طلاب شهادات رسمية، وبالتالي يرفضون «المزايدات على مصلحة الطلاب».
«المشكلة ليست في الإفادة أو في الشهادة، بل في حقوقنا في السلسلة التي عمرها 18 عاماً»، هذا ما قاله رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، مشيراً إلى أن هيئة التنسيق أثبتت أنها «حركة ديموقراطية مستقلة يريدون إسقاطها وتفتيتها، ولكن نقول لهم خسئتم». ورفض غريب الطرح المقدم من اللجنة النيابية الفرعية الثانية التي يرأسها النائب جورج عدوان، والتي تعطي المعلمين 13% مقسّطة على ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنها «ليست من قيمتنا، بل من قيمة من وضعها». وشدد على تمسّك «الهيئة» بالحقوق الكاملة، وهي 75% الباقية من الـ121%. وأكد غريب أن «الهيئة لن تتراجع عن التحرّك وعن مقاطعة التصحيح». ولفت إلى ضرورة محاسبة من اعتدى على نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض وبعض النقابيين. وأشار إلى أنه «لم يعد كافياً القرار النقابي الموحد للهيئة في إنجاح التحرك أمام شدة الهجمة عليها»، مشدداً على «أننا نحتاج إلى قيادة نقابية موحدة»، داعياً إلى «تحويل الروابط إلى نقابات والهيئة إلى اتحاد عام يضم كل النقابات والروابط في القطاع العام».
وقال محفوض في هذا الصدد إن «الممارسات البوليسية التي مورست في حق عشرات المعلمين على الهواتف أثناء الليل، إضافة إلى الممارسات الميليشيوية داخل الوزارة مرفوضة، وهذه ليست وزارة تربية، ولم نرَ مثل هذه الممارسات خلال 30 سنة، وهذا الموضوع يجب وضع حد له»، مؤكداً أننا «مع الدولة، لكنها يجب ألّا تقف في وجه مواطنيها الصالحين».
وتمنى رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، على رؤساء الكتل النيابية التداعي إلى الاجتماع والاتفاق على إقرار السلسلة. وطالب الرئيس سعد الحريري «بسحب صاعق هذه القنبلة والعمل مع سائر القوى لإقرار السلسلة، لأن إقرارها سيشكل بوابة للانفراج على كل الصعد». كذلك تمنى على الرئيس بري «الإسراع في تحديد جلسة خلال هذا الأسبوع لإقرار السلسلة، بما يضمن حقوقنا».

السابق
التمديد بين الرفض المسيحي و’المؤتمر التأسيسي’
التالي
عودة الحريري وتعيين العبادي: بداية التسوية الشاملة ام معالجات موضعية