نفط اربيل يُعيد واشنطن إلى العراق

عندما أمر الرئيس الاميركي باراك أوباما بشن غارات على العراق الاسبوع الماضي، وصف تدخله بأنه “جهد انساني” لانقاذ آلاف المدنيين الذين تقطعت بهم السبل في الجبال و”حماية موظفينا الاميركيين”. الا أن هاجس النفط لم يكن غائبا عن هذه النخوة المفاجئة التي أعادت الاميركيين الى العراق بعد سنتين ونصف سنة من سحب آخر جنودهم منه.

أقامت واشنطن تحالفات سياسية في اربيل ومدت ميليشيات البشمركة بالسلاح والعتاد قبل الغزو الاميركي للعراق عام 2003 بوقت طويل.ومنذ أكثر من عشر سنين، صار اقليم كردستان العراق المنطقة الاكثر استقراراً في بلد يعيش على فوهة بركان.غير أن تقدم “الدولة الاسلامية” الاسبوع الماضي في اتجاه ضواحي اربيل غافل الميليشيات الكردية التي طالما اعتبرت قوة لا تقهر، وغيّر حسابات أوباما ودفعه الى اتخاذ القرار الصعب.
وفي حديثه الى توماس فريدمان الاسبوع الماضي، قال أوباما إن “المنطقة الكردية عملية… فيها تسامح حيال الاتنيات والمذاهب الاخرى بطريقة نتمنى رؤيتها في أماكن أخرى. لذا نعتقد أنه من المهم حماية هذا المكان”.
لا شك في أن كردستان هي واحد من الحلفاء القلائل الباقين لأميركا وحليفتها اسرائيل ايضا، في المنطقة.اقتصادها شهد ازدهارا كبيرا في السنوات الاخيرة واستقطب استثمارات من دول حول العالم. ومع ذلك، ثمة من رأى أن المبررات المعلنة لاوباما للتدخل غير كاملة، خصوصا أن كردستان ليست عقدة كبيرة في حكومة الوحدة الوطنية التي لا تزال المشروع الرئيسي للادارة الاميركية في العراق.
وكتب جون ب. جوديس في “النيو ريبابليك” أن ما لم يقله أوباما هو أن اربيل، وهي مدينة تعد نحو 5,1 ملايين نسمة، هي عاصمة حكومة إقليم كردستان، والمركز الإداري لصناعة النفط فيها، وتنتج نحو ربع النفط الذي يصدره العراق. ويدعي الأكراد أنهم إذا أرادوا أن يصيروا دولة مستقلة، فسيكون لديهم تاسع أضخم احتياط للنفط في العالم. كما أن آبار النفط قريبة من اربيل.
ولا شك في أنه إذا استولى تنظيم “الدولة الإسلامية” على أربيل سيعرض للخطر صناعة النفط العراقي وسيصير عصيا على العالم الوصول اليه، كما سترتفع أسعاره وقت لم تتجاوز أوروبا بعد تماماً مشاكل الركود العالمي.
وأوضح مستشارو أوباما للصحافيين أسباب اجازة أوباما شن غارات جوية على العراق، قائلين إن اربيل تضم القنصلية الاميركية، وإن آلاف الاميركيين يعيشون هناك، لذا تجب حماية المدينة، والا غزتها “الدولة الاسلامية” وعرضت حياة الاميركيين للخطر.
وفي معرض قراءته لاسباب تدخل اوباما في العراق، قال ستيف كول، عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، إن آلاف الاميركيين ليسوا في اربيل بداعي تنشّق هواء جبلي نقي. وشرح أن “اكسون موبيل” و”شفرون” هما في عداد شركات أميركية وعالمية كثيرة، كبيرة وصغيرة، للنفط والغاز عاملة في كردستان. ومع عمالقة النفط جاء المقاولون العاديون وشركات خدمات النفط والمحاسبون وشركات البناء والنقل وصولا الى رجال الاعمال.
وأعاد “المبرر الانساني” للتدخل الاميركي الى الاذهان الذريعة التي استخدمتها واشنطن للتدخل في ليبيا، عندما قالت إنه لمنع حصول مجزرة في بنغازي. وفي حينه، كانت ليبيا سادس منتج للنفط في العالم، والمزود الرئيسي للنفط لاوروبا.
وفي معايير ستيف كول، ثمة خط صدع في منطق اوباما حيال إربيل.فلئن كان الرئيس الاميركي واضحا في أنه لا يزال مؤمناً بأنه يمكن تأليف حكومة وحدة وطنية تضم زعماء من الشيعة والاكراد والسنة الذين يعارضون “الدولة الاسلامية” في بغداد، وإن استغرق الامر بضعة أسابيع اضافية، يرى الباحث الاميركي أن مشروع حكومة جامعة قوية ما يكفي لالحاق الهزيمة بـ”الدولة الاسلامية” مع جيش وطني لا يزال حلماً بعيد المنال.
تكثر التحاليل لاسباب اخفاق العملية السياسية في بغداد منذ الغزو الاميركي عام 2003، مع حل الجيش العراقي، وعملية اجتثاث البعث التي نفّرت جزءا كبيرا من السنة، وتزايد الاحقاد المذهبية بين السنة والشيعة على خلفية سياسات الاقصاء والاستبداد التي اعتمدتها الحكومات العراقية والتدخل الايراني والفساد الذي فتك بحكومات بغداد، وخصوصاً برئاسة نوري المالكي. والى ذلك كله يزيد كول الطمع النفطي الكردي.
ويذكر أنه خلال ولاية الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، سمح الأخير لشركات النفط الاميركية بالتنقيب في كردستان وقت كان يصر على وجوب تفاوض السياسيين في اربيل على تقاسم عائدات النفط والوحدة السياسية مع بغداد.
الا أن حكام أربيل لم يتوصلوا حتى الان الى تسوية نفطية مع الحكومة الشيعية في بغداد. ومع مرور السنين كان الاكراد يزدادون غنى ويستقطبون مزيدا من الشركاء النفطيين ويتجهون أكثر فأكثر نحو اقامة دولة امر واقع. ولم تبذل ادارة اوباما جهودا كبيرة لوقف هذا التوجه، على رغم سياستها المعلنة “عراق واحد” ومصادرة شحنة نفط آتية من كردستان على متن ناقلة قبالة ساحل تكساس، بناء على طلب من الحكومة المركزية في العراق.
باختصار، يرى كول أن السياسة الاميركية في العراق هي عبارة عن مهمة قذرة تلو الاخرى.وعنده أن الدفاع عن اربيل ليس عمليا الا دفاعاً عن دولة نفطية كردية غير معلنة ذات اغراءات جيوسياسية كبيرة على المدى البعيد، بما فيها توفير مصدر غير روسي للنفط والغاز لأوروبا.

السابق
البنتاغون يستبعد تنفيذ عملية اخلاء من جبل سنجار
التالي
«مكرمة» الـ3 مليارات معلّقة بين الرياض وباريس