التحول العراقي استراتيجي مفصلي وليس تجميلياً

حسم الموقف الايراني الرسمي بدعم العملية القانونية التي ادت الى اختيار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلفا لنوري المالكي، كل الجدل الاقليمي والمحلي حول اهداف اختياره وما اذا كانت مجرد عملية تجميلية فرضتها الظروف المحيطة بالعراق والتمدد “الداعشي” هناك ام انها خطوة نوعية ستغير الكثير من المعطيات وتشكل أول مداميك الحل السياسي لازمات كثيرة في المنطقة.

مما لا شك فيه ان تأييد ايران تعيين العبادي رئيسا جديدا لوزراء العراق يصوب في حد ذاته بوصلة التحليلات والتكهنات السياسية ويرجح كفة فرضية ان التغيير السياسي النوعي الذي اطاح المالكي بما يمثل عراقيا وايرانيا، استراتيجي وجذري لا مجرد محاولة كسب وقت من القوى الاقليمية بهدف تحسين شروطها وظروفها التفاوضية كما يوحي بعض من ازعجتهم الخطوة واصروا على اعتبارها تجميلية مستندين الى ان العبادي هو من صلب حزب الدعوة وان ما اطلقه من مواقف في اعقاب تكليفه تشكيل الحكومة غير كاف لبناء هذا الكم من الانطباعات حول التغيير الواسع في السياسة العراقية، ذلك انه لم يشر الى تشكيل حكومة وحدة وطنية او شراكة حقيقية.

غير ان مضمون اتصال وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف بنظيرته الايطالية فدريكا موغريني حيث اكدا على وجوب اعتماد السبل السياسية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية على وجه السرعة، دحض نظرية المنزعجين واعطى اعتماد الضوء الاخضر للانطلاق نحو معالجة الازمات بالحوار والتفاهم من ضمن صيغة توافقية بعيدة من لغة التشنج والتحدي عبر قنوات التفاوض.

ولعل اختيار العبادي عضو حزب الدعوة والتفاهم على شخصه من قبل التكتل الشيعي شكل الصفعة الاقوى للحزب واحدث انشقاقا في داخله بدليل ان ردة فعل المالكي لم تقتصر على الاعتراض على التكليف والاشارة الى ان الخطوة غير دستورية فحسب بل التحرك في الشارع تعبيرا عن الغضب والامتعاض.

واذا كانت المواقف الدولية التي سارعت الى الترحيب بالقرار العراقي عكست رضى عاما تمثل في الاتصالات الهاتفية التي تلقاها الرئيس العراقي فؤاد معصوم مؤكدة الدعم الكامل لدوره في المسيرة الدستورية وتقديم التهنئة للعبادي فان الخطوة لا يمكن فصلها عن اطار التفاهم الاقليمي المتجدد وتقاطع المصالح بين عدد من الدول لا سيما المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية بما يؤشر الى دخول المنطقة مرحلة تفاوضية جديدة او على الاقل تحضير الارضية الصالحة لها انطلاقا من الواقع العراقي لا سيما بعد الخطر الداعشي الذي قد يكون له الدور الابرز في دفع ايران نحو التخلي عن ورقة المالكي.

وتعتبر مصادر دبلوماسية عربية ان من غير الممكن عدم قراءة تزامن جملة محطات اقليمية ولبنانية في سياق مقاربة الوضع السياسي العربي ابرزها عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت بعد ثلاث سنوات وثلاثة اشهر من الغياب والتحول الاستراتيجي في السياسة العراقية مع سقوط “عثرة” المالكي مشيرة الى ان مجمل التطورات في المنطقة يوحي بدخولها مرحلة جديدة بدأت بفتح قنوات التواصل ووضع حد لسياسات التحدي لولوج عتبة الحوار وارساء الحلول للازمات ولبنان ليس ابدا بعيدا عن مدارها.

السابق
هيئة التنسيق هزمت وزير التربية.. والأحزاب
التالي
جنبلاط المستشعر خطر داعش والنصرة والمتطرفين يخفي حراكه