عن لبنان..’اللي كان أخضر’

كما في كلّ صيف، تلتهم الحرائق مئات الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية والمراعي في لبنان. وعاماً بعد عام تتقلّص الرقعة الخضراء تدريجياً لتصبح أراضي قاحلة ميتة. فهل بات اليوم الذي سنقول فيه “لبنان كان أخضر…” قريباً، بعد الحرائق الكارثية التي ضربت وما زالت تضرب أحراج لبنان منذ عام 2007 وحتى اليوم..؟؟

تعتمد عمليات مكافحة الحريق بشكل فعّال على تعاون كل من عناصر الدفاع المدني وقوى الأمن الداخلي والجيش وموظفي البلديات ومأموري الأحراج والجمعيات الأهلية، فضلاً عن سكان المنطقة نفسها التي يحصل فيها الحريق. هؤلاء المتعاونون هم شركاء أساسيون في تفعيل عمليات مكافحة الحرائق، إضافة إلى الوقاية منها وإعادة تأهيل الرقعة المتضررة بعد الحريق.

تعميم وزاري
وفي هذا الإطار، عمّمت وزارة الداخلية والبلديات على المحافظين والقائمقاميات إبلاغ البلديات واتحاداتها “كتاب المديرية العامة للدفاع المدني” المتعلق بطلب الاستعداد لموسم حرائق الغابات. والإسراع في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات، المتضمنة الإيعاز للبلديات الواقعة ضمن نطاق المناطق الحرجية “إنشاء خزانات للمياه سعة خمسين ألف ليتر على الأقل لتزويد آليات الاطفاء وتأهيل شبكة المياه لتأمين وصولها إلى الخزانات باستمرار، وشقّ طرقات في الغابات ومنع حرائق النفايات في المناطق القريبة منها، والتشدد في منع استعمال المفرقعات ومراقبة الأماكن التي يؤمّها المتنزهون خصوصاً بعد تركهم لها، والتأكد من إطفاء مواقد الشواء وتوعية المزارعين ومنعهم من حرق الأعشاب اليابسة”.

فماذا قدّمت الوزارة للبلدات المعرّضة للحرائق للمساعدة في تنفيذ هذه الاستراتيجية، وكيف تلقّت البلديات الواقعة ضمن نطاق الأحراج هذا التعميم، وما هي خطواتها الوقائية من الحرائق المتوقّعة في ظلّ أزمة المياه التي يعاني منها لبنان..؟؟

حكي ولاد صغار
لم تخفِ بعض البلديات غضبها من الكتاب الذي عممته وزارة الداخلية ورأت فيه “حكي ولاد صغار”، لأن الوزارة لم تقدّم أي مساعدات للبلديات المعرّضة للحرائق، ولم تدعم مراكز الدفاع المدني، ولم تؤمن لهم حتى مآخذ المياه.
وبعضها الآخر قال مستهزئاً بالبند المختص بشقّ الطرقات في الغابات قائلاً: “عم يطالبونا نشق طرقات، ووزارة الزراعة ما بتسمح بهالشي، وزارة لا بترحم ولا بتخلّي رحمة الله تنزل”.

سمنة وزيت
أما لبلدية عكار العتيقة التي تحتوي على إحدى أكبر الغابات في لبنان، حكاية طويلة مع الحرائق والإهمال على حدّ سواء، والتي كان آخرها في الأسبوع الماضي. وكما هي الحال في جميع المؤسسات في لبنان دائماً، هناك “ناس بسمنة وناس بزيت”.
يؤكّد نائب رئيس بلدية عكار العتيقة، خالد ملحم، لـ”البلد” أنه رغم الحرائق المتكررة والكارثية التي تضرب أحراج البلدة سنوياً، إلا أن الوضع على حاله، لا مآخذ مياه، مركز دفاع مدني فقير جداً لا يحتوي إلا على سيارة إطفاء واحدة، ووزارة الزراعة تعرقل عملية شقّ الطرقات داخل الغابات، حتى إن أحد رؤساء البلدية السابقين طلبوه للتحقيق بعد فتحه طريقاً في الغابة للتمكن من السيطرة على الحريق. مشيراً إلى مشروع خاص بدأت به البلدية، وهو إنشاء بركة مياه كبيرة سعة “250 ألف ليتر مكعب” للاستفادة منها في ريّ الأراضي وإطفاء الحرائق، ولكنه يحتاج لمزيد من الوقت.
مشروع خاص
وعن الخطوات التي قامت بها البلدية كمجهود شخصي للاستعداد لموسم الحرائق، يقول ملحم “قدمنا كتاباً لمدير عام الدفاع المدني على أن يقوم هو باستحصال الإذن لنا من وزير الزراعة لفتح طريق في الأحراج، ولكن لم يأتِنا الرد بعد”.
متمنياً عبر “البلد” من وزارة الزراعة أن تسمح لهم كبلدية، بشق الطرقات في الغابة، متكفّلاً بأن تقوم البلدية بضبط الوضع وعدم السماح للأهالي بقطع الأشجار.

جهوزية تامّة
بلدية بعبدات تستعد لموسم الحرائق، “فمن بركة مياه كبيرة مخصصة للدفاع المدني، إلى مركز دفاع مدني مُجهّز بإطفائيتين، وسيارة رباعية الدفع مخصّصة للحرائق. بالإضافة لعناصر بلدية مدرّبين للتعامل مع الحرائق، وطرقات مفتوحة في الغابات لتسهيل السيطرة على الحريق في حال حصوله.” كما أكّد لـ”البلد” رئيس بلدية بعبدات الدكتور نبيل سلهب.

طبيعة تُحتضر
اذاً لا تغيير في اللوحات الرمادية التي ترسمها الحرائق في أحراج لبنان سنوياً، وما هذا التعميم الوزاري وغيره، إلا حبرٌ على ورق يُعَنوِن بسواد حبره، لخرابٍ بيئي أعظم، ويكتب نهايةً مأسوية لطبيعةٍ تُحتضر. والمشاهد التي رسمتها النيران المستعرة من قبل، ما هي إلأ صورٌ مصغّرة لما سيحصل في الأشهر المقبلة في ظل الاستهتار الرسمي واللامبالاة المستمرّة.

السابق
طوق امني كبير رافق وصول سعد الحريري الى لبنان
التالي
إطلاق رصاص كثيف ابتهاجاً بعودة الحريري الى لبنان