عن داعش والإعلام والملح والبهار

داعش
تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في الترويج لداعش وإثارة الرعب في النفوس والانسياق وراء "سكوبات" وهمية. وصارت المواقع تتناقلها بسرعة بداعي "المنافسة" وتسجيل نسب أعلى من القراء. ولم تحاول أن تحظى بمقابلة مع مسؤولي داعش لتفهم من هم.

يكفي الآن أن وأنت جالس أمام شاشة الكومبيوتر أن تأتي ببعض الصور من زمنٍ غابر وأن تسلّط سيفك على رقاب العالمين وتقول: هذا من فعل داعش. يمكنك أيضاً أن تخترع حكاية من خيالك مفادها مثلاً أنّ داعش أباحت نكاح الحيوانات، وطبعاً سيلاقي “الخبر” رواجاً على المواقع الالكترونية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد يبلغ الحدّ بأن يصادق أحدهم على حكايتك ويقول: “لقد نكح داعشياً العجل في مزرعتي”.
كلمة نكاح ستلاقي رواجاً أكبر أيضاً، فكل الأخبار الجنسية هي “ما يطلبه القرّاء”. عساها تغذّي الخيال المريض والمكبوت. لا نعني هنا أنّ داعش غير قادرة على كل هذا وأكثر، لكن الأسئلة البديهية الّتي يجدر أن نسألها هي: “من تكون داعش؟ متى نشأت؟ من يموّلها؟ من يغذّيها؟ من أتاح لها السيطرة على حقول النفط في سوريا والعراق وتحويلها إلى تجارة رابحة؟ ومن يشتري النفط من داعش؟
لم نشهد في وسائل الإعلام تحقيقات موثّقة عن هذه الحركة، ولا نعرف من يمكن أن يدخل هذا المجتمع المغلق بإحكام إن لم يكن منه. علمنا أنّها تعدم وتسوّق لمشروعها وتسيطر على المناطق وتطرد أهلها منها، لكننا لم نعرف كيف نشأ تنظيم كهذا “منّا وفينا” بينما الجميع يدّعي إدانته.
قالت لي صديقة منذ فترة إنّ أخبار داعش تحاك في غرف مظلمة، وربما من قبل صهاينة لهم المصلحة في الإضاءة فقط على جوانب مظلمة من العالم العربي، وحتّى رش “الملح والبهار” عليها. هذا “الملح والبهار” هو السمّ القاتل في مجتمعاتنا وجميعنا يتذوّقه بلذّة وإن كان في القلب غصّة.
داعشلنعد مثلاُ إلى خبر التجارة بالنساء وبيعهن في سوق النخاسة الّذي انتشر مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تبيّن أنّه ملفّق. حتى بعدما ظهر أنّ الخبر مزوّر وغير حقيقي، بقي هناك من يتناقله، إرضاءً للصورة بأنّ هذا “البعبع” يغذّي صورة الخطر الداهم على العرب..
ويظهر في الصورة نساء لبسن عباءات سوداء، وعلى وجوههن قماش شفاف تظهر منه وجوههن، بينما أياديهن مكبلة بحبل يربطهن بعضهن ببعض، ويقف بجوارهن شخص يحمل سيفا، ليتبين أن الصورة التُقطت في النبطية وليس في سوريا كما قيل وتحديدا قرب دار المعلمين والمعلمات في النبطية، أما الشخص الظاهر فيها يحمل سيفاً، فهو م. م. ش. من قرية هونين، وذلك خلال مسيرة التاسع من عاشوراء أثناء تجسيد “عملية سبي النساء من كربلاء في العراق إلى الشام في سوريا”، وهو تقليد متّبع في النبطية منذ سنين طويلة..
لا أحد ينكر وجود داعش، لكن عوضاً عن أن نتسلّى بأخبارها، إن كنا فعلاً نشعر بالخطر، لنتأكّد منها، أقلّه ضمن خانة “إعرف عدوّك” لكي تتمكّن من مواجهته. اتّضح أيضاً أن خبر الجد الّذي تزوّج حفيدته ليس صحيحاً، لكن أخباراً كهذه انطبعت داخل عقولنا حتّى باتت ضخمة جداً وصار من الصعب اقتلاعها.
تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في الترويج لداعش وإثارة الرعب في النفوس والانسياق وراء “سكوبات” وهمية. وصارت المواقع تتناقلها بسرعة بداعي “المنافسة” وتسجيل نسب أعلى من القراء. ولم تحاول أن تحظى بمقابلة مع مسؤولي داعش لتفهم من هم. وفي معرض حديثنا عن داعش، لنتأمّل قليلاً في مسمى الدولة: “دولة الإسلام في العراق والشام”.

داعش
اسم الدولة هذه اختصرته وسائل الإعلام إلى “داعش” كنوع من الهروب من السؤال الأصلي: هل تستطيع داعش فعلاً أن تصبح دولة؟ من هم الأشخاص الّذين يخربشون على جدران مناطق في عكار، شمال لبنان، منبئين بقدوم داعش؟ هل لها أعوان هناك فعلاً أم أنّهم أشخاص يتسلّون ويبثون الأحقاد؟
لا نريد من وسائل الإعلام أن تقلّل من أهمية كلّ هذا، لكن نريد لصحافتنا أن تصبح استقصائية بعض الشيء. لقد تعبنا من “الأخبار العاجلة” و”الأخبار الصفراء”، والّتي ساهمت “كثرة” المواقع والهواتف الذكية والسهولة في بث الأخبار من نفيها تقريباً. عقولنا إمّا نقدية أو تحليلية، كلّنا فلاسفة ومحلّلون وكلّنا نكاد نغيب عن الوقائع!

السابق
اجراءات جنوبا وتوقيف في عين الحلوة
التالي
بالفيديو: وئام وهاب يغادر استديو الحدث