الزواج بين المسلمين والمسيحيين في لبنان 6% فقط

بعد إعلان خطوبة المحامية اللبنانيّة أمل علم الدين والنجم جورج كلوني، كثر الحديث مجدّدًا في الأوساط اللبنانيّة عن الزواج المختلط، مستذكرًا البعض حادثة بيصور التي وقعت نتيجة زواج شاب من الشمال بفتاة من البلدة والاعتداء الذي تعرض له، وما تبع ذلك من ردود فعل مستنكرة وأخرى مستغربة.

الزواج المختلط واقع معاش في المجتمعات المختلطة، سواء تمايزت من حيث الطوائف أو الأديان أو الجنسيات أو الأعراق. قد يصعب على البعض تقبّل هذا التمازج، ويأتي الرفض بحسب الصراع المجتمعي، سواء كان طائفيًا أو دينيًا أو عرقيًا. وفي لبنان الزواج المختلط ما زال يثير بعض الحساسيّات لا سيما الدينية منها، يتقبّله البعض فيما يرفضه آخرون ويتحاشاه كثيرون.

هل ما زال الشباب اللبناني يرفض الزواج المختلط أو بات يتقبّله؟ وما هي دوافع ذلك؟ هل صحيح أنّ هذا الزواج خطوة لتحقيق الانصهار الوطني؟ وما هي مقوّمات نجاح هكذا زواج؟

بين الرفض والقبول
استطلعت”النهار” آراء بعض الشباب حول الزواج المختلط، إليان تقول: “لا أحبّذ الزواج من دين آخر، لكن أتقبّله بين مذاهب الدين الواحد. سبب الرفض متعلّق بالدين الذي سيعتنقه أولادي وفي ما سأعلمهم إياه من مبادئ آخرى مختلفة. من الصعب على الفرد أنّ يتخلّى عن دينه بسهولة. الحبّ ليس فقط غراماً، هناك ثقافة وعادات مشتركة وحياة اجتماعية منسجمة يجب توافرها”.

يؤيّدها جهاد الرأي ويقول : “أرفض الزواج المختلط لأنّه سبب في كثير من المشكلات اللاحقة وغالبًا ما يكون مصيره الطلاق. لا أكترث إن غيري أقدم عليه ولا أمانع، لأن كلّ شخص حرّ في خياراته. ولكنني أرفضه لأسباب دينيّة ولأنّ من الصعب العيش مع شخص لا يؤمن بما تؤمن أنت به. الدين ليس فقط صلاة إنما نمط حياة أيضًا”.

في المقابل، يقول رامي: “الزواج المختلط أمرٌ طبيعي في مجتمع متعدّد، وكما أتقبّل زميلي المنتمي إلى دين مختلف في العمل وأتعايش معه، الزواج المختلط قد ينجح إذ ركّز الثنائي على النقاط الجامعة واتفقا على تفاصيل الحياة الزوجيّة. فالزواج من دين آخر كما الزواج من جنسية أخرى، نجاحه محكوم بتقبّل الآخر واحترامه”.

عامل النجاح
في هذا السياق، تقول رئيسة قسم العلوم الاجتماعيّة في جامعة الروح القدس الكسليك، الدكتورة ميرنا عبود المزوّق، لـ”النهار” : “الزواج عبارة عن تناغم طائفي واجتماعي وثقافي وعلائقي وقيمي. لا شكّ في أنّ الزواج المختلط يزيد الفارق الاجتماعي والثقافي بين أي ثنائي، ما يحتمّ عليهما بذل جهد أكبر للتقارب وبناء اتفاق حول ما يجمعهما بدل ما يفرّقهما”.

وتضيف المزوّق : “مبدئيّاً، للزواج المختلط عوامل نزاع أكبر، لكن إذا عمل الثنائي قبل زواجهما على وضع اتفاق يحمل كلّ الأبعاد الثقافيّة والدينيّة، فهذه الفروقات تزول. باختصار نجاح الزواج المختلط قائم على كيفيّة بنائه ونوعه، وكيفيّة تربيّة الاولاد وتسيير الأمور في البيت. وأثبتت الدراسات أنّ الزيجات المختلطة التي بنيت على اتفاق بنيوي لكلّ مكوّنات الزواج نجحت”.

… وصولًا إلى التخلّف
وعن مدى تقبّل المجتمع لهذا النوع من الزيجات، وتقييم ردود الفعل المترتبة عنه، تردّ المزوّق: “من الطبيعي جدًا أن يمانع المحيط الاجتماعي هذا النوع من الزيجات، انطلاقًا من البنية المجتمعيّة المتنوّعة. لكن عندما تصل ردّة الفعل إلى حدّ ارتكاب جريمة، عندها يمكننا الحديث عن تخلّف مرتبط بالعقليّات المتخلّفة في بعض مناطق يطغى فيها التعصّب الديني في المجتمعات الشرقيّة. فالأديان لا تدعو للقتل مهما كان السبب، وإنّما تفسير الدين من بعض العقليّات القبليّة ينجم عنه ارتكابات مماثلة قد تكون بسبب زواج مختلط أو غيره”.

وتضيف : “التنوّع هو أساس كلّ مجتمع، والأحاديّة في التكوين الاجتماعي تدخلنا في توتاليتاريّة. لكن كيفيّة إدارة التنوّع وعدم معرفة الآخر تؤدي إلى نزاعات ثقافيّة قد تتحوّل إلى دمويّة. عندما لا نعرف الآخر نخشاه، وخوفنا يدفعنا إلى التنازع معه”.

الجيل الجديد
وفي الحديث عن مدى تقبّل الجيل الجديد للزواج المختلط والإقبال عليه، تردّ المزوّق : “العنصر الشبابي في المجتمع بات أكثر تقبّلًا للزواج المختلط أو المدني، لكن هناك خوف على الشباب من التقوقع الطائفي. وجود الطائفة أمرٌ مهمّ في المجتمع للتعرّف إلى خصوصياتنا الثقافيّة، لكن القوقعة، وهنا الخطورة، تعني أن يكون الانتماء الديني من خلال الطائفة وليس من خلال الإيمان. هناك تناقض لدى الشباب اللبناني، هناك انفتاح شبابي غير معرفي”.

دراسات وأرقام
وفق دراسة أخيرة أجرتها “الدوليّة للمعلومات” تبيّن أنّ عدد عقود الزواج المختلط في لبنان تصل إلى 173.883 عقدًا، أي ما يمثّل حوالى 15% من إجمالي عقود الزواج المسجّلة في لبنان، وهي تتوزّع بين 32.231 عقدًا بين مسلمين من مذاهب مختلفة، 118.250 عقدًا بين مسيحيين من مذاهب مختلفة، و10.797 عقدًا بين مسيحيين ومسلمين. ويتبيّن أنّ عقود الزواج بين المسيحيين من مذاهب مختلفة هي أكبر من تلك العقود بين المسلمين من مذاهب مختلفة، وتستحوذ على نسبة 68% مقابل 18.5%. فيما عقود الزواج بين المسلمين والمسيحيين لا تستحوذ سوى على نسبة 6.2%.

السابق
جامعة آل حمدان اللا طائفية
التالي
كيف حاربت 8 آذار الحريري ولماذا استنجدت به؟