1701 لقطاع غزة

غزة تريد الحرية. تريد الانفتاح على العالم بأجمعه. تريد بحرها حراً وحدودها مع مصر مفتوحة. تستطيع العيش في بحبوحة اقتصادية وحدودها مع إسرائيل مقفلة. تريد مطاراً ومرفأً لاستقبال زوارها وأبنائها وتصدير فائضها واستيراد حاجاتها. في استطاعة غزة العيش من دون أن يعمل أبناؤها في إسرائيل. فبلاد العرب وأوروبا وأفريقيا في حاجة ماسة إلى الأيدي العاملة والتقنية. المهم إذاً أن ينتهي حصار إسرائيل وهو غير طبيعي، والحصار المصري وهو غير مقبول.

أهل غزة خير مَن جدَّ في عملهم، وتاريخهم يشهد أنهم يستطيعون أن يصنعوا من صحرائهم سهلاً وفيراً، برغم الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة عليهم. كانت غزة تصدّر إلى أوروبا في تسعينيات القرن الماضي الزهور والورود، برغم المضايقات الإسرائيلية. وشاطئ قطاع غزة يمكنه اجتذاب كل أنواع السياحة خلال تسعة أشهر من السنة. القطاع ثروة سياحية بامتياز. إلى ذلك كله، يجزم الخبراء بأن الغاز موجود في برّ غزة وبحرها.
باختصار، لن يكون قطاع غزة في حاجة إلى مساعدات عربية ودولية كبيرة لو تُركَ أهلوه من دون «أبوية» مصر، والحصار الإسرائيلي المباشر الذي يهدف إلى إفقارهم.
أما إسرائيل، فقد انسحبت من مدن القطاع وقراه في العام 1993 واقتلعت مستوطناتها في العام 2005 يوم كان آرييل شارون رئيساً لحكومتها، لكنها منعت أهل القطاع من الاتصال بالعالم، لا مطار ولا مرفأ، لا بحر ولا شاطئ، لا زراعة ولا تصدير ولا استيراد، لا نقاهة ولا هواء طلقاً. ومع الوقت حصل أهل القطاع على السلاح وخاصة الصواريخ القصيرة والطويلة المدى، فكانت ثلاثة حروب مع إسرائيل في أعوام 2008 و2012 و2014.
اليوم لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية التراجع عن القتل والتدمير وإلا واجه رئيسها بنيامين نتنياهو ما لحق بسلفه ايهود اولمرت بعد حربي 2006 على لبنان وعلى قطاع غزة العام 2008. اليوم، بعد انتهاء الدمار والقتل، سينسحب الجيش الإسرائيلي من غزة وسيتدفق حتماً السلاح عليها إذا استمرّ الحصار الشامل. وفي العام 2016 ستندلع الحرب مجدداً.
ما العمل؟
يستحق سلام غزة جهداً دولياً، ويمكن لمجلس الأمن أن يتوافق على قرار مشابه لقراره رقم 1701 الذي أوقف القتال بين «حزب الله» ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. يعني ذلك العمل على وضع قوة دولية على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة يمنع الدولة العبرية من تدخلها في شؤونه الداخلية من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. من ثمَّ تبني غزة مطاراً ومرفأً بإشراف القوة الدولية، فترجع تدريجياً إلى حياة طبيعية بالمساعدة الأمنية والاقتصادية للأمم المتحدة.
في الحقيقة مهما تسلّحت غزة، لن تستطيع التغلب عسكرياً على إسرائيل حتى في المدى البعيد. لكن السلاح (وخاصة الصواريخ) في حال تدفقه إذا استمرّ الحصار الشامل، يوفر لها توازن رعب معها، تماماً كما حدث في لبنان منذ انسحابها من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة في العام 2000، والذي ثبت في صيف 2006 بعد حرب دامت 33 يوماً. من شأن قرار كهذا أن يحدّ من استعمال إسرائيل القوة لإخضاع غزة وإفقارها، وتوفير الأمل والطمأنينة لأهلها.
في استطاعة الأمم المتحدة، كذلك، توفير الحرية والسيادة لقطاع غزة، وهذه مسؤولياتها، فتقرّ إجراءات تمنع الاعتداءات الإسرائيلية عليها، وتساعدها اقتصادياً لأن تكون ولاية أو محافظة أو قطاعاً فلسطينياً مزدهراً ومسالماً. ويتطلب ذلك من مصر تناسي مشاكلها مع القطاع ورغبتها في تركيع «حماس» التي تشكل امتداداً للإخوان المسلمين المصريين، والعمل مع الأمم المتحدة لتوفير السلام والطمأنينة لأهل غزة. أما دول الخليج، وبالأخص السعودية والإمارات والكويت، فيمكنها مساعدة غزة بسخاء وكرم وهذا وحده يحدّ من التأثيرين الإيراني والتركي على الدول العربية، بخاصة قطاع غزة. إن حقد هذه الدول على الرئيس ياسر عرفات بعد حرب الخليج لمساندته العراق سمح لآخرين بعد رحيله بأن يؤثروا على مجرى الأحداث هناك.
للسعودية سلاح واحد: المساعدات الاقتصادية. لا أيديولوجيتها ولا نظام حكمها يستهويان أي مجتمع في العالم العربي. سلاحها الوحيد هو المال. إما أن تستعمله بذكاء أو يتراجع نفوذها.

السابق
مسلحو داعش اجبروا مسيحيين في الموصل على الفرار
التالي
كلنا ’داعش’!