من الموصل الى عرسال وبنغازي: اين الحركة الاسلامية الفاعلة؟

قاسم قصير

التطورات المتسارعة من الموصل (شمال العراق) الى مدينة عرسال (شرقي لبنان) الى بنغازي وطرابلس(ليبيا) تكشف لنا خطورة ما تتعرض له المنطقة العربية والاسلامية من تحديات خطيرة وكبيرة، وبموازة ذلك نتابع ما جرى ويجري في قطاع غزة وفي فلسطين من مواجهات بين المقاومة والعدو الصهيوني حيث برز الموقف الاسلامي والوطني الموحد وسرعة التفاعل بين مختلف اطراف الحركات الاسلامية، اما الموقف الاسلامي من بقية التطورات السياسية والميدانية فيبدو شبه غائب او غير واضح ، بالاضافة الى الاختلافات في الرؤية بين القوى والحركات الاسلامية في هذه الدول.

فنحن اليوم امام زلزال كبير في كل المنطقة ولم تعد الدول والكيانات السياسية القائمة قادرة على مواجهة التحديات المستجدة ولم تعد الحدود المرسومة منذ اتفاقية سايكس –بيكو صامدة امام المتغيرات القائمة والتي تقودها تيارات اسلامية متشددة والتي لا تتوافق مع المشاريع الاسلامية الحركية الموجودة منذ اكثر من ثمانين عاما كالاخوان المسلمين وحزب التحرير وفدائيان اسلام وحزب الدعوة الاسلامية وغيرهم.

والاحداث التي تشهدها المنطقة العربية والاسلامية اليوم تشبه الى حد بعيد ( وان كان في سياقات مختلفة) التطورات التي حصلت قبل وبعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، لكن في تلك المرحلة شهدنا العديد من الدعوات الاصلاحية والاتجاهات الاسلامية التوحيدية بهدف مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، كما برزت شخصيات اصلاحية وحركية مهمة تولت الدعوة لاصلاح واقع الامة او البحث عن خيارات جديدة للمواجهة كالشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الافغاني والامام حسن البنا والشيخ عبد القادر الجزائري وعمر المختار وابن باديس والشيخ ابن عاشور والشيخ رشيد رضا والامام السيد عبد الحسين شرف الدين والامام محسن الامين ولاحقا نواب صفوي والامام الخميني والدكتور علي شريعتي والسيد محمد باقر الصدر والامام ابو الحسن الندوي وابو الاعلى المودودي والشيخ تقي الدين النبهاني وسيد قطب ومصطفى السباعي وصولا للدكتور فتحي يكن والشخ محمد الغزالي والامام محسن الحكيم ومالك بن نبي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ فيصل المولوي وغيرهم الكثير الكثير من الشخصيات والعلماء والمفكرين.

اذن كنا امام محاولات عديدة للمواجهة ورغم الاختلاف بالاراء والمواقف احيانا بين الحركات والاحزاب الاسلامية او بين الشخصيات الاسلامية من علماء ومفكرين، فاننا كنا نلحظ ان هناك صوتا اسلاميا شبه موحد واننا امام رؤى اسلامية واضحة تتجاوز الانقسامات المذهبية والقطرية والكيانات السياسية والقومية،ومع ان ظروف التواصل واللقاء بين هذه الشخصيات كانت صعبة وليست ميسرة كما هو الحال اليوم ، فقد كنا نلاحظ ان الموقف الاسلامي موحد من التطورات الاساسية والتحديات الداخلية والخارجية وكانت الشعوب العربية والاسلامية تتجاوب مع دعوات العلماء والمفكرين للتحرك وكانت المرجعيات الدينية تتجاوز الحساسيات المذهبية والقومية وتتخذ مواقف موحدة ضد التدخلات الخارجية ولدعم حراك الشعوب وتعقد المؤتمرات الاسلامية الموحدة، كما حصل في مؤتمر وادي الحجير في لبنان في عشرينات القرن الماضي حيث توحد علماء جبل عامل لدعم الثوار ضد الانتداب الفرنسي في سوريا والبنان ولدعم حكم الامير فيصل ، وكما حصل من علماء العراق في النجف الاشرف الذين اطلقوا ثورة العشرين لدعم الدولة العثمانية ضد الاحتلال الانكليزي وكما عقدت المؤتمرات في القدس ومكة والاستانة، وكما وقف معظم العلماء والحركات الاسلامية مع الثورة الاسلامية في ايران وثورة المجاهدين الافغان.

اما اليوم فنحن لا نسمع عن وجود حركات اسلامية موحدة ولا عن شخصيات علمائية مميزة تطرح افكارا جديدة لاصلاح الامة ، بل تترك الساحة الاسلامية للمجموعات الاسلامية المتطرفة والتي تريد ان تعود بنا الى عصر الجاهلية وليس الى عصر الاسلام الحقيقي والذي حافظ على التنوع والتعددية في المنطقة ولم يهدم الكنائس والمعابد لاهل الكتاب من النصارى واليهود وحتى لغيرهم.

نحن اذن امام تحديات كبرى تتطلب اجتهادات ومواقف اسلامية موحدة وشخصيات تكون قادرة على توحيد الامة بدل تمزيقها وتشتتها، فهل هناك من يستجيب لهذه الدعوة ام اننا سنعود الى عصور القبائل والطوائف والمذاهب والصراعات القومية والطائفية والتي شهدنا مثلها في عصر الصراعات بين الامراء والخلفاء والمماليك والتي مهدت للاستعمار الغربي لبلادنا ، ولكن الاستعمار يأتي اليوم وهو مرحب به بل ان البعض يستجدي دول الغرب للمجيء لحمايتنا من التطرف والتشدد كما هو الحال في اكثر من بلد عربي واسلامي وهذه هي المفارقة الكبرى.

السابق
عسيري: السعودية تدعم الجيش بالأفعال
التالي
دواعش عرسالية