ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين: لحماية السيادة لا الحدود فقط

عقد المكتب التنفيذي (الموقت) لـ«ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين»، اجتماعاً طارئاً، بحضور كامل الأعضاء، استعرض فيه الأوضاع التى تمر بها البلاد، وأصدر على إثره البيان الاتي:
على حينِ غَرّةٍ من بعضِ اللبنانيين، وعلى مفاجأةٍ أقلّ من البعض الآخر، وقعتِ الواقعة، ووجد اللبنانيون بَلَدَهُم أشْبَهَ بنسخةٍ تَكادُ أن تكونَ طِبْقَ الأصْلِ من المشهدِ الإقليمي في خطوطه العريضة، وحتى في العديد من تفاصيله.
وإذا كانَ هذا المشهد الذي تَسيلُ على جوانِبِهِ الدماءُ من كلِّ حدبٍ وصوب، ويتعالى مِن أرجائه العويل، يَسْتدعي مزيدَ رصانةٍ ووقارٍ احتراماً لتلكَ الدماء والآلام البشرية، فإنّه، بالنظر إلى خطورته، وإلى ما يُرَتّبُهُ من أثمان آنية ولاحقة، يستدعي أيضاً شيئاً من الصراحةِ، ولوْ بَدا للبعضِ أن هذه الصراحة في غير محلها وزمانها، وأنها إنما تقع كالسهام على السهام:

 ليس لأحَدٍ أنْ يُقَرّر أنَّ يبدأ التاريخ من حيث يشاء، أو من حيث تقتضي مصالحه. ولأنه كذلك فليس لأحَدٍ، مهما علا صوته، ومهما كَذَبَ إعلامُه، أن يَختصر ما يجري في عرسال تبعاً لما تمليه أهواؤه وأجندته. من ثم، فإن التضحيات التي يقدّمها الجيش اللبناني في مواجهة الجماعات المسلحة المعتدية على السيادة اللبنانية، لا تُسْقِطُ من الحسبان السياسي، في مَعْرِض تحليل ما يجري، أن حزب الله قد ثابر على انتهاك هذه السيادة، في الاتجاه المعاكس، حتى من قَبْلِ أن تندلعَ الثورةُ في سوريا، وأن ينجح نظام البعث في تحويلها الى حربٍ أهلية.
بناءً عليه، فإن الدفاع عن لبنان واللبنانيين لا يكون بالدَّعَواتِ العاطفيّة، المُغْرِضَة في أفواه البعض وأبواقهم، إلى الالْتِفافِ حول المؤسسة العسكرية، وإنما بتعزيز الموقف السيادي الذي تعمل هذه المؤسسة تحت عناوينه بحيث يَنُصُّ هذا الموقف، صراحةً، على دعوة حزب الله إلى توضيح مستقبل تَدَخّلهِ الأمني والعسكري في سوريا، ولا يُقْتَصَرُ على التصفيق للجيش اللبناني في دفعه الجماعات المعتدية خارج الحدود.
 إن الحربَ التي يخوضها الجيشُ اللبنانيُّ اليومَ، على الأراضي اللبنانية، تحت عنوان «معركة عرسال»، هي المِصْداقُ على فشل حزب الله في حماية لبنان واللبنانيين من الخطر التكفيري إنْ صَدَقَ في زَعْمِهِ أنَّ تَدَخُّلَه في سوريا كان استباقياً ولغرض الحماية تلك؛ أو هي المصداقُ على أن تَدَخُّلَه في سوريا لم يكن لحماية لبنان واللبنانيين وإنما لمآرب أخرى. في كلتي الحالتين، وسواء كان هذا أو ذاك، لا حُجَّة، بعد اليوم، يَتَحَجَّج بها حزب الله لتبرير تدخله في سوريا مؤازرةً لنظامٍ سفّاح، سافكاً، كرمى عيون هذا النظام، دماً لبنانياً شيعياً أوْلى أن يُسْفَكَ في سبيل لبنان من أن يُهدَر في معترك حرب أهلية لا أفق لها. ولأنه رُبَّ ضارة نافعة، فحبذا لو يَسْتَسْنِح حزب الله «معركة عرسال» فَيَسْتَأذن من راعيه الإيراني أن يعود من سوريا، (ومن العراق)، إلى لبنان، فيكون انسحابه منهما في محلّ اعتذار من الشعب اللبناني، ومن الطائفة الشيعية، عمّا تسبّبت بهِ مغامراته خارج الحدود اللبنانية.

 إن اللبنانيينَ اليوم بينَ خيارينِ لا ثالثَ لهما: إمّا التمسّك بمنطق المكابرة والإصرار على أنَّ كلَّ الشرورِ التي تفتكُ بالنسيج اللبناني طارئة من وراء الحدود، وإمّا الاعتراف بما يترتب عليهم من مسؤولية عما اختمر بين ظهرانيهم من ثقافات إقصائية، والمبادرة، اليومَ قبلَ الغد، إلى مراجعةٍ صريحةٍ شاملةٍ تتيحُ لهم أن يعدّوا العدّة، معاً، للدفاعِ عن أنفسهم، وعن النسيج اللبناني، في وجه العواصف الآتية عليهم والتي ليست عرسال، على الأرجح، سوى طليعتها.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند ما يرافق «معركة عرسال» من يقظة مَرَضيّة مخيفة لنزعات عنصريةٍ لا تُكَلّفُ نفسَها عناء التخفّي حِيالَ مَنْ يوصفون بـ«الغرباء»، والمقصود بهم، في المحلّ الأول، أبناء الجالية السورية اللاجئون إلى لبنان. إن ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين، لا يملكُ إلّا أن يدينَ كل هذه الدّعوات والممارسات والسلوكات العنصرية التي هي الوجه الآخر لسياسة الإنكار والتنصّل من المسؤولية، وأن يُذَكّر اللبنانيين بأنه على غرار ما إنَّ زعمَهُم، في الماضي القريب، بأن نزاعهم الأهليَّ كان حربَ الآخرين على أرضهم لم يُغْنِ عنهم شيئاً، ولم يزدهم سلماً أهلياً، فإنَّ زَعْمَهُم اليومَ بأن «الغرباء» أصل البلاء وفصله لن يغني عنهم، بدوره، شيئاً.

 أخيراً، ومع اقتراب الذكرى الثامنة على تصويت مجلس الأمن على القرار 1701 الذي ضمن لجنوب الليطاني، ولجنوب لبنان عموماً، رغم جزئية تطبيقه حتى الآن، أمناً وسلاماً وازدهاراً لم تشهدهم هذه المنطقة اللبنانية العزيزة مِنْ ذي قَبْلِ، يتوقف ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين عند هذه المناسبة ليُكَرِّر المُكَرَّر مِنْ أنَّ معظمَ اللبنانيين يحسدون اليوم مواطنيهم الجنوبيين على نِعَمِ 1701 وبركاته، وليؤكِّدَ المؤكَّد مِنْ أنَّ حمايةَ لبنانَ إنما هي رَهْنٌ بتعزيز الموقِف السيادي، وتطويره، قانونياً وميدانياً، توصلاً إلى تحييدِ لبنان حياداً كاملاً ونهائياً.

السابق
تجمع لبنان المدني: لحل في عرسال يحمي المدنيين والجيش والسيادة
التالي
اجتماع في دارة سليمان حضره الراعي وسلام والسنيورة وجنبلاط