هل يتسبب شح المياه بنقل الأمراض؟

مع تفاقم أزمة المياه هذا العام وتحسباً لتفاقم الأمور أيضاً على المستوى الصحي، ودرءاً لانتشار الأوبئة، لا سيما في التجمعات السكانية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المحافظة على قواعد النظافة العامة، يفترض اتخاذ إجراءات استثنائية حماية للصحة العامة. فما هي الإجراءات الموفرة للمياه أولاً من دون ان يعني التوفير إهمال جانب النظافة؟ كيف تتلوث المياه وما هي آثارها الصحية وكيفية الوقاية؟

مع شح كمية المياه المتوفرة في محطات الضّخ، أو في الآبار الارتوازية، يأتي التقنين الكهربائي، وانقطاعه لفترات طويلة وبصورة غير منتظمة في معظم المناطق اللبنانية… ما يؤدي بدوره إلى الصعوبة في جر المياه إلى مراكز التوزيع أو المحطات الرئيسية لضخ المياه. ناهيك بتأخر دفع المياه من الخزانات الموجودة على الأرض في الأبنية والبيوت ورفعها إلى خزانات السطح… كلها أمور تزيد الوضع تعقيدا وترخي بظلالها على نظافة الإنسان اليومية وسبل المحافظة على الحد الأدنى من قواعد النظافة العامة والوقاية من الأمراض التي يتكاثر وجودها خلال فصل الصيف عادة. فكيف إذا ما قلّت كميات المياه، المعدّة خاصة للشرب (وهي غير متوفرة عادة وبشكل عام) والاستعمال المنزلي؟

الشح = أمراض

يتكاثر انتشار الأمراض والأوبئة على وجه الخصوص في التجمعات السكانية حيث لا يتوفر الحد الأدنى من الرعاية الصحية والوقاية من عدوى الأمراض، فكيف إذا ما قلت كمية المياه وشحت، ما يشكل بؤرة أساسية لتفشي الأمراض وانتقالها إلى أماكن أخرى وذلك بطريقة مباشرة بسبب زيادة نسبة التلوث في المياه في حالات الشح، وإما بطريقة غير مباشرة بواسطة الذباب الذي يُعد الناقل الأول للجراثيم.
وتنتمي هذه الجراثيم إلى فصائل عدة: بكتيريا، فيروسات، طفيليات وفطريات… وغيرها من الأجسام المجهرية التي تفتك بصحة الإنسان وتكون أشد وقعا لدى الأولاد والأطفال والرضّع منهم بشكل خاص (نذكر هنا الإصابة بالفيروس الدولابي ـ روتافيروس – الذي يشكل خطرا داهما ومميتا على صحة هؤلاء)، ويسجل بشكل كبير الإصابات بالتهابات الأمعاء (تيفوئيد، الزحار أو الديزنتاريا وغيرها)، إلى الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي (اليرقان من فئة ألف) والتهابات المجاري البولية، إلى حالات التسمم الغذائي عن طريق الجراثيم أو تناول البوظة التي حضّرت عن طريق المياه غير المعقمة، وازدياد نسبة الأمراض الجلدية.
لذا يجب علينا في ظروف صعبة كهذه دق ناقوس الخطر والقيام من الناحية الطبية الوقائية بنشر الإرشادات والنصائح التي يُستحسن الأخذ بها لتوفير ما أمكن من كميات المياه التي تصل إلى بيوتنا وذلك من خلال القيام بعملية تقنين ذاتية توفر لنا الحد الأدنى من النظافة من دون الوقوع في دائرة خطر والمرض، حيث ان الإنسان بشكل عام يجنح نحو هدر كميات كبيرة من المياه خلال استهلاكه لها، إن من خلال نظافته الشخصية أو بواسطة استعمالها في الحمام والمطبخ. لذا من الواجب التقنين في طريقة استهلاك المياه من دون الوقوع في التقتير ودخول دائرة المرض، لكن الحرص وحُسن التدبير والابتعاد عن التبذير كما في أمور كثيرة في الحياة.

كيف نوفر في الحمام

نستعرض في ما يلي بعض الإرشدات والنصائح في محاولة لتوفير كميات من المياه التي نستهلكها في حياتنا اليومية وخاصة في المنزل الذي يعتبر الانطلاقة الأولى للكثير من الأمور.
أولا في الحمام: عند غسل اليدين، يُنصح بإقفال صنبور الماء (الحنفية) خلال فترة الدقائق التي يقوم فيها الفرد بفرك يديه وأصابعه بالصابون، ما يوفر العديد من ليترات المياه التي تذهب هدرا والتي يمكن استهلاكها في مجالات أخرى،على أن تُفتح الحنفية ببرمة خفيفة، لتبقى كمية الماء التي نستعملها في حالة كهذه أقل بكثير من تدفق الحنفية بالليترات. وينصح باستعمال نفس الطريقة عند فرك الأسنان، غسل الوجه أو حتى فرك فروة الرأس والشعر.
عند القيام بغسل الجسم (دوش أو حمّام)، يُفضّل عدم استعمال البانيو أوالمغطس لأنه يتطلب كميات كبيره من الماء، بل اعتماد الدوش من خلال الرشاش وحنفية الخلاّط للاغتسال حيث يُعمل على غسل الشعر بالشامبو أو الصابون أولا، مع الانتباه الدائم إلى إقفال الرشاش خلال عملية فرك الفروة والشعر، ليعاد بعدها لصب الماء بكمية اقتصادية على الرأس… ليعمل بعدها على غسل الجسد بواسطة الصابون من خلال الخلاط. ويفضل استعمال ليفة أو اسفنجة لتوزيع كمية الصابون المرغي على الجسد في وقت يكون الخلاط مقفلاً، وعند الانتهاء من هذه العملية يقام بصب الماء على الجسد كاملا من خلال الرشاش وبكمية معتدلة. هذه الطريقة في الاغتسال تؤدي إلى توفير كمية لا بأس بها من المياه تُقدر بين 100 و150 ليترا لكل شخص في اليوم (مع العلم بأن ثلث سكان العالم لا يتوفر لهم إلا 50 ليترا من المياه في اليوم لكل شخص للاستعمال في شتى المجالات، وأكثر هذه البلاد تقع في قارتي آسيا وأفريقيا وتعاني من شتى أنواع الأمراض الانتقالية والمُعدية).
عند استعمال المرحاض يُفضل الضغط بشكل خفيف على «سيفون البيديه»، أو الاعتماد على المياه التي استعملت لغسل الخضار والفاكهة، بعد تجميعها في أوان خاصة والاستفادة منها بسكبها في دورة المياه عند الحاجة.

التوفير في المطبخ

المطبخ هو المكان الثاني والمهم لاستهلاك المياه في تدبير حالات الطبخ والجلي، لذا يُنصح بغسل وتنظيف الخضار والفاكهة بأقل كمية من المياه والعمل بعدها على تعقيمها من خلال نقعها في أوعية نظيفة مع إضافة أقراص معقمة متواجدة في الصيدليات وتصبح بعدها صالحة للاستهلاك. تطبق هذه الطريقة في تعقيم أدوات الرضاعة لدى الأطفال الذين يتغذون بالحليب عن طريق القنينة. وفي حالات جلي الأواني المنزلية يُقتضى التقنين باستعمال أقل كمية من المياه مع المحافظة على التنظيف السليم. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجوب توجيه مدبرات المنازل (وعددهن لا يستهان به) وتدريبهن على كيفية التقنين في استهلاك المياه مع عدم ترك الصنابير جارية خلال فترة التنظيف الخاصة بالجلي.
يضاف إلى كل ذلك الاقتصاد في كمية المياه المستعملة في شطف وتمسيح غرف المنزل أو غسل زجاج النوافذ بخراطيم المياه والتي يمكن الاستغناء عنها بطريقة أقل استهلاكا للماء ونحافظ في الوقت عينه على نظافة أرض المنزل ولمعان زجاج النوافذ بطريقة طبيعية.
طبعا نحن نتحدث هنا عن وسائل توفير المياه ومحاولة تقنين استعمالها داخل المنزل، وتبقى أماكن أخرى يستهلك فيها الماء بكميات كبيرة تؤدي إلى الهدر والإسراف، ليس المجال لذكرها هنا، إذ من المنزل تنطلق الوقاية والرعاية الصحية ليلتزم بها كافة أفراد العائلة فيتعودوا بدورهم على التصرف بحكمة وترو في فترات شح المياه بهدف المحافظة على القواعد العامة للنظافة.
وهذه الإرشادات والنصائح، البديهية بحد ذاتها، هي نتيجة تجارب شخصية مر بها كثير من الناس خلال فترات الحروب العبثية التي عصفت بالوطن، حيث كانت كميات المياه متوافرة خلالها بشكل عام، لكن انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، والأعطال الدائمة في جر المياه أو دفعها إلى المنازل والأبنية، أو الدمار الذي أصاب شبكات التوزيع كانت بمجملها الحائل دون توفير المياه أو الشح في كمياتها، بينما الشح الحاصل حاليا يعود إلى النقص الحاد في التخزين والعائد في جزء منه إلى عوامل طبيعية والنقص الحاد في إقامة المشاريع الإنمائية في هذا المجال.
لذا فإن الأمور تدعو إلى التبصر والهدوء والتصرف بشكل يؤدي إلى المحافظة على القواعد العامة للنظافة الشخصية أولا والوقاية من العدوى بالجراثيم وعدم الإصابة بالأمراض.

الحيطة عند استعمال مياه الصهاريج

مع تزايد استعمال مياه الآبار الموزعة عبر الصهاريج الى المنازل، لا بد أولا من ان نتأكد من مصادر الآبار التي أخذت منها وسلامتها الصحية، من ثم الانتباه إلى انها غير صالحة للشرب… لنركز بالتالي على نوعيتها وما تحويه من كميات زائدة من الأملاح (ملح الصوديوم أي ملح الطعام كالموجود في مياه البحر، والترسبات الكلسية…).
علينا التنبه اولا، خصوصا اذا استخدمها البعض في الطبخ بعد غليها والتي قد تتسبب بارتفاع ضغط الدم من زيادة ملوحتها وتكون الحصى في الكلى والمجاري البولية بسبب زيادة كلسيتها. لذلك يجب تجنب استخدامها للشرب او الطبخ على الإطلاق.
اما اذا كانت وجهة استعمال هذه المياه هي للنظافة الشخصية وغسل وتنظيف الخضار والفاكهة، إلى غسل وجلي الأواني المطبخية… فهنا يمكن الإشارة إلى التأثير السلبي في صحة الإنسان لهذه المياه المالحة أو الكلسية عندما يتم تناولها بطريقة غير مباشرة عند استهلاكها مع فرشات في الاستحمام وتنظيف الأسنان او مع غسل الخضار والفاكهة، التي قد تؤدي إلى مضاعفات صحية، لدى ذوي الاستعداد بشكل خاص (المياه المالحة عامل أساسي في ارتفاع ضغط الدم الشرياني، أمراض القلب المزمنة، أمراض الكلى، جفاف الجلد، تحسس في العيون…). أما المياه الكلسية فهي تؤدي إلى مضاعفات عديدة (تقصف الشعر وتساقطه، تكون الحصى في الكلى والمسالك البولية وحوصلة المرارة…).

السابق
مجدداً.. غزة ليست حماس
التالي
معركة عرسال لمَنع التمدد التكفيري