عرسال تحرج الجميع: تحالفات وأولويات جديدة

…ولبنان أيضاً دخل مرحلة سياسية جديدة، مع احتلال تنظيم “داعـش” وجبهة “النصرة” بلدة عرسال وجردها.
هي هزات ارتدادية للحدث العراقي، من الموصل إلى عرسال. “نشوة” حرّكت مجموعات تكفيرية، فقررت تنفيذ “أجندات” مطوية. هذا أقلّه ما بيّنته محاضر التحقيق مع “أبو أحمد جمعة” استنادا إلى قيادة الجيش اللبناني.
عملياً، صار لبنان مفتوحاً على المشهدين السوري والعراقي. الأصحّ أنه صار جزءا من ساحات المواجهة المفتوحة مع التطرف بكل تجلياته، وأخطرها اليوم “داعش” ومنافستها “النصرة”.
انكشفت عورات الانقسام الوطني على مدى ثلاث سنوات ونيف من عمر الأزمة السورية. لم يرسم لبنان إستراتيجية الحد الأدنى للتعامل مع إفرازات تلك الأزمة، وخصوصا قضية النازحين، وعندما قرر وضعها على طاولة حكومة إدارة المرحلة الانتقالية، كان الانطباع العام أن الوقائع صارت أكبر من قدرة الجميع على رسم إستراتيجيات وتشييد مخيمات.
عرسال أسيرة، هذا هو العنوان. أهلها الفقراء، ابناء الأرض وعمال المقالع الحجرية هم العنوان اليوم، لكن الغد اللبناني بات مفتوحا على احتمالات ومناطق لبنانية شتى.
ما كان منتظراً سياسياً من “تيار المستقبل” عبّر عنه رئيسه سعد الحريري، وهذا هو لسان حال بعض “المغامرين” في “المستقبل”، ممن استبقوا موقف رئيسهم بالمعنى الايجابي، من دون أن ينزلقوا إلى لعبة الاستثمار “الشعبوي” الضارة بالذات وبالآخرين، على طريقة “مثلت التحريض الشمالي”.
مظلة الاستقرار.. مستمرة
ولعل ما شهدته جلسة مجلس الوزراء، أمس، من نقاشات، ومن كلمة ختامية لرئيس الحكومة تمام سلام، قد عبّر عن مسؤولية وطنية استثنائية، يفترض أن تسحب نفسها على الكثير من العناوين السياسية والأمنية والاجتماعية، بمعزل عن بعض المزايدات الرخيصة أو بعض الأفكار “العبقرية” من نوع المطالبة بتوسيع نطاق القرار 1701 وصولا الى نشر “اليونيفيل” على حدود لبنان الشرقية والشمالية لجعلها على تماس مباشر مع “داعش” وأخواتها!
ليس هذا وحسب، بل ان تداعيات الحدث العرسالي، بيّنت مجددا رسوخ مظلة الاستقرار اللبناني وثباتها، بإجماع إقليمي ودولي نادر، من سوريا التي عبر، أمس، بيان خارجيتها عن دعم مفتوح للجيش اللبناني. الى السعودية، التي قالت بلسان سفيرها في بيروت كلاما واضحا دعما للاستقرار والأمن في لبنان، مرورا بطهران وباريس والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول التي أعلنت تضامنها مع لبنان في مواجهة الإرهاب، من دون اغفال الموقف الأميركي الذي كان سبّاقا في تبني المؤسسة العسكرية وابداء الاستعداد لتقديم الدعم لها، وهو أمر يضع كل هذه الدول على محك اختبار نواياها، خصوصا في ضوء الاحتمالات الميدانية المستقبلية في عرسال وجوارها.
غير أن الأهم من هذا وذاك، اقليميا ودوليا، هو مدى استعداد المكونات اللبنانية لاعادة رسم الخريطة السياسية الداخلية، على مستوى الأولويات والتحالفات والمواقع، وصولا الى كسر كل مشهد الاصطفافات السياسية الحادة المستمرة منذ نحو عشر سنوات والتي شكلت بشكل مباشر أو غير مباشر بيئة حاضنة لظاهرة غريبة عن المجتمع اللبناني.
هنا تتبدى مسؤولية كل من الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، من دون اغفال مسؤولية “حزب الله” بتشجيع كل هذه القوى على الذهاب نحو وسطية سياسية تحمي لبنان أولا، وتجعل “تيار المستقبل” باعتداله وانفتاحه على جميع الأطياف السياسية، رأس حربة في مواجهة من يريدون سرقة جمهوره ونفوذه.. وصولا الى تدمير مشروعه السياسي لمصلحة التطرف والتكفير.
..انها لحظة الحقيقة
نعم انها لحظة الحقيقة بالنسبة للجميع، ولا ينفع معها تكاذب من هنا أو من هناك. موسم الشطارة قد انطوى في عرسال، والمواجهة تحتاج الى مبادرات سياسية من نوع جديد، هدفها حماية السلم الأهلي، حماية الجيش، الدولة، الناس. في ضوء ذلك، تصبح عناوين الرئاسة والحكومة والنيابة مجرد تفاصيل صغيرة، ما دام الهدف حماية الجمهورية وفرصة اعادة بناء الدولة من جديد.
نعم انها لحظة صحوة، وعلى الجميع الاعتراف بأنه مأزوم، ولا خروج من المأزق الوطني الشامل، الا بمد الأيدي وفتح الأبواب، وهل يختلف اثنان في لبنان على أولوية اعادة مد الجسور بين “حزب الله” و”المستقبل”، ولو تطلب ذلك تقديم تنازلات من الجانبين، في الشكل والمضمون؟
لقد احكم الجيش اللبناني سيطرته على التلال المشرفة على مسرح العمليات في منطقة عرسال، ولكن إمكان الدخول إلى بلدة عرسال بوضعها الراهن لتنظيفها من المسلحين أمر معقد للغاية ودونه مخاطر توريط الجيش في “بارد” جديد.
وبمعزل عن نتائج المبادرة التي تقوم بها “هيئة علماء المسلمين”، تقتضي المسؤولية الوطنية أن يتحول كل مواطن الى خفير، ما دام الجيش معنياً بزج المزيد من وحداته وألويته في المعركة المفتوحة مع التكفيريين في جرود عرسال، وصولا إلى استعادة مواقعه ومراكزه وحماية بعضها الآخر، وحسنا فعلت قيادة الجيش بإنشاء غرفة عمليات مركزية تتولى إدارة العمليات بأمرة ضابط كبير، في رسالة واضحة مفادها أن الجيش ماض بلا هوادة في معركته ضد الإرهاب.
ولقد بيّنت معطيات الساعات الأخيرة، وبالدم الحي، أن ثمة أغلبية عرسالية رافضة للجماعات الإرهابية المسلحة، الأمر الذي دفع الأخيرة الى اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية من خلال منعهم من مغادرة عرسال حيث يتم التعرض لأي فرد أو عائلة تحاول الخروج، حتى لا يتم إفراغ البلدة من المدنيين بشكل يسهل اقتحامها، أو حصارها لاحقا، خصوصا بعدما تم تداول فكرة اقامة ممر انساني لتأمين خروج كل المدنيين من أبناء عرسال الى القرى المجاورة.
خيارات الجيش.. لتحرير عرسال
واذا كانت معركة نهر البارد قد استلزم حسمها شهورا عدة، فإن وضعية عرسال مفتوحة على مدى زمني طويل، من الاستنزاف والاعمال القتالية التي لا مجال الى وضع حد لها الا بمبادرة الجيش اللبناني الى حسم المعركة لمصلحته واسترداد البلدة من محتليها، الا ان هذا الحسم لكي يتم، يفرض على الجيش سلسلة خيارات، او مناورات يمكن ان تقوم بها الوحدات العسكرية تمهيدا لذلك.
الا ان تلك الخيارات يجب ان تلي اجراءين لا بد منهما:
الاول، ان تكون الصورة داخل عرسال واضحة تماما امام الجيش. اولا من حيث عدد المسلحين الذين يحتلونها. وثانيا من حيث عدد النازحين السوريين الذين التحقوا بالمسلحين. وثالثا، وهنا الاهم، من حيث تقدير العدد المتبقي من اهالي بلدة عرسال فيها.
الثاني، ضرورة استعادة الجيش وبسرعة كل الاماكن التي انتزعتها منه المجموعات المسلحة في محيط عرسال.
واما الخيارات المتاحة امام الجيش فتتلخص بما يلي:
– الخيار الاول: الحسم السريع، وهذا الامر يستوجب حشد قوات برية كبيرة من كل القطاعات: المجوقل، المغاوير، المدفعية، المدرعات، مع كتلة نارية ثقيلة وهائلة، تترافق مع هجوم واسع وصاعق على مواقع تواجد المسلحين في محيط بلدة عرسال وفي داخلها، وهذا الخيار يتطلب توفير الدعم اللوجستي والتجهيزي والتسلحي، بالاضافة الى غطاء جوي لا يملكه الجيش، وبالتالي فإن خيارا من هذا النوع يفرض قبول الجيش بتحمل كلفة عالية من الشهداء والجرحى والخسائر في مواجهة عدو شرس.
– الخيار الثاني، بعد أن يستعيد الجيش مراكزه في محيط عرسال، عليه قطع التواصل ما بين عرسال والجرود، سواء في الجانب اللبناني او السوري من الحدود، إلا أن ذلك قد يضع الجيش أمام خطي تماس، الأول مع الجرود، والثاني مع عرسال في آن معا.
– الخيار الثالث، ضرب طوق محكم حول المنطقة لعزلها، بحيث تحاصر أمكنة بالقوى العسكرية المباشرة والمعززة، وأمكنة اخرى بالنار، على ان تلي ذلك عملية قضم متدرج، وهذا الخيار غير مكلف لكنه يتطلب وقتا أطول.
– الخيار الرابع، وهو الأدنى كلفة، ويقوم على ضرب طوق محكم حول عرسال من خارجها، مع استمرار مشاغلة المسلحين بالنار لاستنزافهم، في انتظار أن تحين الفرصة الملائمة للحسم، ولكن من مساوئ هذا الخيار ان مدته طويلة جدا ونتائجه غير مضمونة، خاصة انه مع المدة الطويلة يخشى من بروز متغيرات، او كما سماها قائد الجيش العماد جان قهوجي مباغتات، متعددة على غير صعيد في امكنة اخرى

السابق
مقتل أمير داعش في القلمون أبو الحسن الفلسطيني
التالي
قهوجي يطالب بالإسراع بتزويد الجيش بالمساعدات العسكرية اللازمة