عرسال: عبرا جديدة أو حرب لا تنتهي؟

يبدو أنّ سيناريو "عبرا" هو المعتمد من قبل قيادة الجيش لحسم المعركة مع المسلحين في عرسال، لكنّ ظروف المعركتين مختلفة من حيث الحجم والموقع الجغرافي، فهل ينجح الجيش في تحقيق المفاجأة السارّة وينهي ما بدأ به ويطرد المسلحين؟ أم أنّ المعركة ستطول لتتحوّل إلى جبهة دائمة حدودوها السلسلة الشرقية مع سوريا؟

في 24 حزيران من العام الفائت 2013، أوقف حاجز للجيش في عبرا شرق صيدا، المرافق شخصي للشيخ أحمد الاسير ويدعى فادي البيروتي بعدما رفض اعطاء اوراقه الثبوتية لعناصر الحاجز، موجها اليهم عبارات من التحدي، واثر ذلك سجل انتشار لمسلحي الاسير في عبرا. ثم جرى قرابة الثانية عشر ظهرا الاعتداء على نقطة للجيش في محيط المسجد ومهاجمتها بالاسلحة الرشاشة، مما أدى الى استشهاد ضابطين وأحد العسكريين وإصابة آخرين، وعلى الفور بدأ الجيش بالرد على مصادر النار لتبدأ معركة عبرا التي انتهت بهزيمة جماعة الأسير وهروبه الى مكان مجهول لم يعرف حتى الساعة.

وأول أمس السبت، عند الساعة الثانية عشر ظهرا وعلى أحد حواجز الجيش في جرود منطقة عرسال تم توقيف السوري عماد أحمد جمعة الذي إعترف عند التحقيق معه بإنتمائه إلى جبهة النصرة. على الاثر اقدم مسلحو النصرة على مهاجمة حواجز الجيش في عرسال موقعين العديد من الشهداء والجرحى في صفوفهم.

وادعى متحدث باسم النصرة “أبو زيد” أن الموقوف يشغل منصب “أمير الدولة في لبنان”، و”ليست هذه هي المرة الأولى التي يقصد فيها عرسال، إذ يتردد عليها عدة مرات شهريا وينام في خيام النازحين السوريين الموجودة في المنطقة”. وأوضح أن “عملية توقيفه أتت بعد اشتباكات في بلدة الجبة السورية ووقوع إصابات في صفوف المقاتلين، مما اضطره للتوجه إلى عرسال ونقل جرحى إلى المشفى الميداني الموجود فيها، قبل أن يتم توقيفه على أحد حواجز الجيش”.

وبرأي مراقبين فإن سيناريو “عبرا” يتكرر في “عرسال”، والقاسم المشترك هو التشابه الكبير بين القوى المتصادمة من ناحية، وكذلك تشابه تسلسل الاحداث على الارض الذي يبدأ عادة باعتقال وينتهي باشتباك عسكري واسع النطاق.

القادمون اليوم من بلدة اللبوة جارة عرسال والتي تعد أحد معاقل حزب الله أفادوا ان مدفعية وراجمات صواريخ الحزب لم تتوقف منذ عصر أمس عن قصف مواقع المسلحين السوريين في جرود عرسال وجوارها، في سيناريو مشابه أيضا لمعركة عبرا عندما ساندت مدفعية حزب الله الجيش اللبناني في حارة صيدا، والسؤال هو، هل تنتهي معركة عرسال على صورة ما انتهت عليه معركة عبرا ويدخلها الجيش بالقوة بدعم من حزب الله ويفرض سيطرته ويطرد الجهاديين السنة من داعش ونصرة إلى خارجها؟

حتّى الآن يبدو ان هذا هو السيناريو المعتمد من قبل قيادة الجيش ويعززه ما نشره موقع “العهد” التابع لحزب الله اليوم، عن لسان مصدر أمني رفيع أفاد “ان المعركة مع الجماعات المسلحة في عرسال مستمرة حتى النهاية للقضاء على راس الجماعات الارهابية التكفيرية، لأن الاعتداء الذي تعرضت له المؤسسة العسكرية اعتداء سافر وصارخ”.

غير ان ما يثير القلق هو ان حجم معركة عرسال سوف تكون أكبر بكثير من معركة عبرا، ففي حين لم يتجاوز عدد مقاتلي الشيخ الاسير، قبل عام، أكثر من ثلاثمئة مقاتل على أحسن تقدير، فإنّ عدد المقاتلين الجهاديين في عرسال وجوارها يعدّ بالآلاف. كما ان الطبيعة الجغرافية تختلف. فبلدة عبرا هي رقعة ضيقة محاصرة من جميع الاتجاهات وساقطة عسكريا بمجرد ان عزلها الجيش عن صيدا، أما في عرسال التي يبلغ عدد سكانها اربعين الف نسمة ويقطنها أكثر من 100 الف نازح سوري، فإن حدودها الشرقية وجرودها مفتوحة على عمق السلسلة الشرقية بطول 80 كيلومترا، ويصعب بالتالي حصارها بشكل تام مما سوف يطيل أمد المعركة بحسب خبراء عسكريين أسابيع وربما أشهرا طويلة لن تنتهي بحسم كامل وانما بسيطرة نسبية للجيش سيخرقها معارك دائمة على تخوم البلدة، ما سيؤدّي إلى تحوّل حدودها مع السلسلة الشرقية الى جبهة مشتعلة دائمة.

بتأييد من كافة الفئات التي يتكوّن منها الشعب اللبناني يمضي الجيش لحسم المعركة لصالحه في عرسال، ولكن هل تكون هذه المعركة آخر المعارك ،أم “أمّ المعارك” التي لن تنتهي قبل نهاية الحرب السورية التي أدخلت لبنان في نفق مظلم جديد منذ اندلاعها قبل أكثر من ثلاثة أعوام.

السابق
الجيش ينقل مواطنين بآلياته الى خارج عرسال
التالي
مجدلاني: حان الوقت لنستدرك الخطأ ونطبق القرار 1701 على الحدود اللبنانية السورية