متضامنون مع الجيش

الصورة من الانترنت
واليوم، صرنا "نرشح" وطنية فجأة، ونحتاج لكي نثبت "لبنانيتنا" أن نردد: متضامنون مع الجيش. لسنا ضد الدعم طبعاً، لكن لا نريد أن يصبح الجيش الذي نريد ونحب بحاجة إلى التأكيد على التفافنا حوله. نريد ان نؤمن في أعماقنا أنّنا جزء منه وأنّه جزء منا لنشعر بالأمان. وهذا، وبعيداً عن التكاذب الوطني، ليس الحال. الجيش يحتاج، قبل التضامن معه، إلى تقويته.

يقف لبنان اليوم على مفترق طريق. يترقّب الحرب القادمة. يفتح ذراعيه للموت من جديد. الخطر هذه المرة خارجي أيضاً وسنتمكّن غداً، بعد أعوام، أن نقول إن الغريب أتى إلى عقر دارنا ودمّر بلدنا، كي نهرب من مواجهة الأزمات الّتي يعيشها هذا البلد.
لبنان البحر والشمس والجبل والسفر والحفلات و… هو البلد الأوّل في الهروب من الاستحقاقات. روّضته الحرب ليصبح معتاداً على العيش على حافة الهاوية، كأنّه لا يستطيع المضي قدماً من دون هذا الكم الهائل من “الأدرينالين” والإثارة. لبنان أولاً، الشعار الّذي يحمله الجميع عالياً، لا يثبت جدارته. الوطن في المقعد الخلفي لبوسطة “عين الرمانة” الجديدة. ينتظر مصيره الآتي.
وفي غمار كل هذا، نرى الجيش اللبناني قد بات هو أيضاً تكريساً للشرخ الوطني العميق الحاصل هنا. بعد كل “التجييش” ضد المؤسسة العسكرية في طرابلس سابقاً وزج قياداتها في ورفة المزايدات السياسية، نأتي اليوم لنشهد مزايدات أخرى في البقاع.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ارتفعت الصور والعبارات الّتي تعبّر عن التضامن حول الجيش في مواجهة المسلحين والإرهابيين. لا أحد ضد الجيش، لا أهالي عرسال من المدنيين المنسيين ولا أهالي طرابلس المنهكين من الحرب سابقاً. وقبل أن نكيل بالعبارات الوطنية، يجب أن نوجه سؤالاً محدداً: لماذا باتت المؤسسة العسكرية بحاجة إلى التضامن؟
أمام هذا “البعبع” الجديد، يجب ان ندرك أن تسليح الجيش لتقويته كان أمراً من المفترض أن تسعى إليه الدولة منذ نهاية الحرب الأهلية لتحافظ على كيانها. كل هذا لم يحدث، وبقينا نتسوّل “كلاشنكوفاً” من هنا و”دبابة” من هناك، وهبة من “المروحيات” المستعملة من مخازن الأسلحة الأميركية. لم نعمل فعلاً لنفرض لبنان كوطن قوي، وتنامت المجموعات المسلحة وراء ظهره من جديد، سواء كانت مجموعات بصفة حزبية أو مجموعات بلا تعريف. واليوم، صرنا “نرشح” وطنية فجأة، ونحتاج لكي نثبت “لبنانيتنا” أن نردد: متضامنون مع الجيش.
لسنا ضد الدعم طبعاً، لكن لا نريد أن يصبح الجيش الذي نريد ونحب بحاجة إلى التأكيد على التفافنا حوله. نريد ان نؤمن في أعماقنا أنّنا جزء منه وأنّه جزء منا لنشعر بالأمان. وهذا، وبعيداً عن التكاذب الوطني، ليس الحال. الجيش يحتاج، قبل التضامن معه، إلى تقويته.
لنفترض أنّك وضعت حراساً على باب بيتك لحمايته وحراسته، هل تستيقظ من النوم ليلاً إن داهمت المنزل مجموعة من اللّصوص لتعلن تضامنك مع “حراسك”؟ أم أنّك تثق بقدرتهم على التصدي وتعبّر لهم عن تقديرك لدورهم وتأدية واجبهم بأمانة حين ينتهي الأمر؟
لنفترض أن اللّص اليوم هو داعش. لنضع أهدافها نصب أعيننا: ماذا تريد أن تسرق؟ لنخرج من هذا الوهم، أنّ داعش لها رسالة دينية متأخّرة ومن عصر الانقراض. داعش أيضاً تبشر بالموت لصالح السلطة والاستحواذ والتفكيك. لكن داعش ليست نبياً مرسلاً لتتحلى بكل هذه القوة وحدها.
داعش من خارج هذا الزمان، لا يمكنك أن تشرب من ثدي البقرة بينما تحمل هاتفاً ذكياً في يدك. ولا يمكنك أن تحوّل بلاد الشام إلى إمارات تعيش من محصولها الزراعي، والنفط الذي استولت عليه داعش في سوريا سيحتاج إلى سوق عالمية لتصريفه. والسوق العالمية تعني الحداثة والعولمة، والعولمة لن تعود إلى العصور السالفة. لذا من الأحرى بنا أن نفتّش عن تعريف لداعش مختلف عن تعريفها كمجموعة دينية أصولية فحسب، بل كورقة جديدة تلعب بها “الدول الكبرى”. إن هم “حجّبوا” أثداء البقر، لا تحجبوا أنتم عقولكم.
لنفكّر في أبعاد المشهد، ما هو المخطط الذي يستهدف لبنان حالياً. لنفكّر برقعة تمتد على 10452 كلم من الجمال والتميّز، وقد تحوّلت إلى ورقة في يد مافيات سياسية لا تعرف الغيرة على الوطن إلّا في “الشدائد”. دعونا لا نكون مثلها، نغار على الوطن في “الخطر” فحسب. وإن كان لا بد من أن نعبر عن هذه الغيرة على المؤسسة الّتي من العار أن نوصلها إلى هذا الدرك، لنعبر أيضاً عن غيرتنا وخوفنا على الآخر – ابن البلد – أم أنّ هذا عصيّ على الوطنية؟

السابق
ريفي: الدويلة أوصلتنا الى هذه المرحلة والحل هو الدولة
التالي
حزب الله يقدرمواقف قيادة الجيش في عرسال ويدعواللبنانيين للالتفاف حولها