عن السنّة والشيعة

اردوغان

أدت التطورات الاخيرة في العالم الاسلامي الي تفاقم الحساسيات بين السنة والشيعة. حيث وصل الحد بالمتطرفين في العراق وسوريا وأماكن اخرى الى قتل بعضهم البعض باسم الاسلام. ان التكفيريين الذين يتهمون غيرهم من المسلمين بالكفر ويقومون بقتلهم باسم المذهب السني او الشيعي يخالفون مبادئ الاسلام الاساسية. ان هذه الاعمال هي اعمال وحشية يجب إدانتها من قبل كل أبناء السنة والشيعة على حد سواء.

ان التطورات الاخيرة في العالم الاسلامي جعلت الاسلام يؤكد على رفض كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب. والإسلام يعلمنا الاعتدال ويحثنا على ان نكون متزنين وعادلين في أفعالنا. أما القرآن الكريم فيشير الى ان أمة الاسلام وسطية تحذو “الطريق الوسط”، فهي أمة وسط، خلافا لكل أشكال التطرف. كما ان القرآن الكريم يحث المسلمين على المحافظة على السلام والعدل والمساواة للجميع.
على عكس ما يتم ادعاؤه بأن الاسلام يؤجج العنف والتطرف، فإن الاسلام يعني بالحرف الواحد السلام. ان الاسلام يعلمنا ان نكون على سلم مع أنفسنا ومع باقي الناس ومع البيئة ومع الله جل جلاله ومع كل المخلوقات على وجه الارض. يتم تحقيق السلام من خلال الإيمان والفضيلة والأعمال الخيرة.
وهذا ما يعني ان يكون الشخص مؤمنا. المسلم هو الشخص الذي يحقق السلام من خلال إطاعة الله والتماشي مع المبادئ الأخلاقية العالمية. ومن هنا يمكن القول ان هؤلاء الذين يزهقون دماء الأبرياء يقومون بخرق المبادئ الاساسية للقرآن والسنة النبوية الشريفة.
ان السنة والشيعة يؤمنون بالخالق نفسه ويتبعون سنة رسوله محمد (ص). ان المذهبين يتضمنان نقاطاً مشتركة اكثر من نقاط الاختلاف. فنحن جميعا نتجه في صلاتنا الى الكعبة نفسها. ونحن جميعا نؤمن بمبادئ العدالة والسلام والمغفرة والوحدة نفسها. ونحن جميعا نؤمن بالحساب بعد الموت.
ان السنة والشيعة عاشوا مع بعضهم البعض لمئات السنين. ان الاختلافات التاريخية والقانونية بينهم لا يمكن ان تشكل قاعدة للعنف والتطرف والإرهاب. فالأكاديميون والعلماء والفلاسفة والروائيون والزعماء الروحيون وأرباب العمل وزعماء المجتمع تضافرت جهودهم من اجل ما فيه خير الانسانية والمساهمة في تبلور الإرث الاسلامي الثقافي العظيم. ان هذا الإرث تأثر بالثقافات الاخرى ومثل نموذجا للتعددية السياسية الثقافية والتعايش سويا.
يتوجب على كل السنة والشيعة ان يتذكروا هذا الإرث ويعملوا سويا من اجل اعادة الروح اليه. يجب على الزعماء السياسيين والدينيين والاجتماعيين ان يلعبوا دورا رائدا في تقريب الناس من بعضهم البعض وتعليمهم القيم الاساسية للسلام والوحدة والتراحم كما ذكر في المصدرين المقدسين للإسلام. يجب علينا جميعا ان نقف وقفة واحدة ضد التطرف والعنف والإرهاب الذي يتعارض مع ديننا ويقلل من شانه.
ان الصراعات السياسية في كل من سوريا والعراق قد أدت الى فقدان حياة مئات الآلاف من البشر. تركيا عملت ما باستطاعتها لوقف نزيف الدم هذا. نحن مستمرون في دعم مطالب الشعوب الشرعية من اجل الحرية والعدل والكرامة. وكما فتحنا حدودنا لاستقبال اكثر من مليون سوري بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي او الطائفي. نحن نقدم مساعدات إنسانية لمواطنين من كل الأديان والمناطق الجغرافية والمذاهب في العالم. ونقوم بذلك وفقا لمسؤوليتنا المعنوية والسياسية.
ان ما يجري هو فتنة كبيرة او بكلمات اخرى حالة من الفوضى والصراع تهدف الى غرس جذور الكراهية والحقد بين المسلمين. يجب على السنة والشيعة ان يقفوا وقفة واحدة ضد هذه الفتنة الطائفية وان يعملوا من اجل السلام والوحدة. فلا يوجد اي مكسب من اي صراع ديني او مذهبي، ما عدا ان ذلك سيؤدي الى فقدان ديننا وانسانيتنا. إن الصراعات المذهبية سوف تؤدي فقط الى تفاقم المشاكل الحالية للمجتمعات الاسلامية.
بدلا من قتال بعضنا البعض، يجب على المسلمين مكافحة انعدام العدالة والمساواة ومكافحة الفقر والأمية والفساد وتدني مستوى التطور. يجب علينا ان نحول مدننا وبلداننا الى مراكز للتعلم والإبداع والابتكار والتعايش السلمي. يجب علينا ان نرى اختلافنا كمصدر لإغناء وتقوية بعضنا البعض. يجب علينا ان نعي لماذا خلق الله الناس مختلفين عن بعضهم البعض: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات ٤٩:٣).
فلدى المسلمين من سنة وشيعة الموارد المعنوية والمادية من اجل العيش بسلام ورفاهية. لكل واحد منهم الحق في التمثيل المتساوي والفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية. يجب ان لا نسمح للمظالم الاجتماعية والاختلافات السياسية أن تُستغل من قبل المتطرفين من اجل خلق بحر من الدماء والخراب في بلداننا. فبغض النظر عن مواقفهم السياسية ووضعهم الاقتصادي او بلدهم الأصلي، يجب على كافة السنة والشيعة في جميع أنحاء العالم التمسك بمبادئ السلام والوحدة والرحمة. هذا ما يعلمنا إياه الاسلام. وهذا ما تطلبه الانسانية.

* نص قدمه رئيس الوزراء التركي في مؤتمر لعلماء العالم الإسلامي عقد في تركيا

السابق
قلمون حزب الله – فيتنام اميركا
التالي
جبهة النصرة تتبنى اختطاف عناصر من الأمن والجيش