توتر بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن وقف النار

تتعدّد الدلائل على الخلاف بين أميركا وإسرائيل في كل ما يتعلق بالحرب على غزة.

ولا تتعلق الخلافات بصدامات مصالح بين الدولتين، بقدر ما تتعلق بالخلاف حول ما تعتبره كل واحدة مصلحة عليا لإسرائيل. فالإدارة الأميركية تحاول التأكيد طوال الوقت أن خلافها مع حكومة بنيامين نتنياهو ينبع من رغبة في تجنيب إسرائيل أوضاعاً أسوأ دولياً وإقليمياً. بل إن نظرة واشنطن إلى «حماس» في الوقت الراهن تنطلق من واقع أن البديل للحركة هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وأن هذا خطر على إسرائيل أولاً وبعدها خطر على العالم وأميركا أيضاً.
وكانت الحملة الإسرائيلية على وزير الخارجية الأميركي جون كيري جارفة، حيث تمّ إظهاره وكأنه يخدم حركة «حماس» ويقدم الجوائز لها ويتبنى مطالب «رعاتها» القطريين والأتراك. وبدا أن إسرائيل تهدد أميركا بعواقب استراتيجية، وتعمل على تصفية حساب معها يعود على الأقل لتخليها عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في إطار دعمها للإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة «الإخوان المسلمين».
وأثارت الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة مخاوف جدية في أوساط إسرائيلية من تردي العلاقات بين الدولتين في لحظة حاسمة. وكتب المراسل السياسي لموقع «والا الإخباري» أمير تيفون أن «ثمة في القدس من اختلط الأمر عليه، وقرر فتح جبهة ثانية، ليس ضد حزب الله في الشمال، وإنما ضد الإدارة الأميركية. فسلسلة تسريبات وإهانات وأقوال عديمة المسؤولية تهدد منظومة العلاقات الأهم لإسرائيل ـ تحديداً في أشد الأوقات حاجة لها».
وبعد أن يعدّد تيفون أخطاء الأميركيين في تفضيلهم المسار التركي – القطري على المبادرة المصرية، يشير إلى أن خطأ الإسرائيليين في الصدام مع الإدارة الأميركية ضار جداً. واعتبر أن الخطأ الأول كان قرار نتنياهو إخضاع اقتراح كيري لوقف النار للتصويت في المجلس الوزاري المصغر، ورفضه بدلاً من المطالبة بتعديله. فالرفض بالإجماع وصل وسائل الإعلام، وأكده على شبكة «سي إن إن» الأميركية وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس. وبعدها كان الخطأ في الحملة التي شنها مسؤولون إسرائيليون على كيري، والتي اعتبرها مسؤولون أميركيون «غير دقيقة ومهينة». ولم يغير من الأمر شيئاً قيام السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر بالدفاع عن الرئيس الأميركي باراك أوباما وكيري في محاولة لمنع المزيد من التدهور.
وفي هذه الأثناء، وفي موضع دفاع كيري عن نفسه، قال «لقد طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية منا مساعدة في التوصل إلى وقف نار في القتال في قطاع غزة». وردّ ديوان نتنياهو بالقول إن «الطلب أثير أولاً من جانب كيري» وأن نتنياهو ردّ قائلاً بالتزام إسرائيل أولاً وقبل أي شيء بإتمام مهمة معالجة الأنفاق. وحينها انطلقت جوقة «مصادر في رئاسة الحكومة الإسرائيلية» لتنفي بشدة وتتهم كيري بأنه أخطأ وضلل حين قال إن نتنياهو طلب منه المساعدة في التوصل لوقف نار. فالاعتبارات الحزبية وخوف «الليكود» من خسائر انتخابية في مواجهة «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» دفعت نتنياهو و«الليكود» لمحاولة إظهار كيري على أنه كذاب. وبعد ذلك جاء تسريب فحوى حديث أوباما مع نتنياهو إلى القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، والذي نفاه الطرفان. وبديهي أن تسريب فحوى المكالمة يُراد به إلحاق الضرر بأوباما، وهو ما يصعب على الإدارة الأميركية استيعابه.
وكتب حامي شاليف في «هآرتس» أنه «بتأخير 24 ساعة، سارت العلاقات بين إسرائيل وأميركا على طريق المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس». وأشار إلى أنه «بالوسع الشعور بالتصعيد الذي يقترب عندما تسمع كيري يقول: تلقيت هجمات في السياسة. أنا لست قلقاً من ذلك».
لكن كيري لم يكتف بردود مسؤولين أميركيين على إسرائيل، واتهاماتها له، بل لجأ إلى انتهاج الأسلوب ذاته وبشكل مباشر: الضرب في نقاط ضعف خصمه. وتوجّه مباشرة «لرأس الهرم»، إلى نتنياهو، موجهاً الضربة إلى «صدقيته». وأكد أنه تحرك في مساعي وقف النار بناء على طلب من نتنياهو، وقال «إما أن أتحمّل هذا الالتزام كما عرض، أو أن شخصاً يلعب هنا لعبة أخرى، وآمل ألا يكون هذا هو الحال».
ومثلما تم تسريب ما عرف بـ«وثيقة كيري» إلى صحيفة «هآرتس» التي قالت إن الوثيقة انتصار لـ«حماس» وجائزة لها، نشرت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي فحوى حديث أوباما مع نتنياهو. وبدا أن حديث أوباما مع نتنياهو ليس حديث حليفين، وإنما مجرد محاولة من طرف لإملاء مواقف على الطرف الثاني. وهكذا وفق «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يقول أوباما لنتنياهو: «اطلب أن توافق إسرائيل على وقف نار فوري من طرف واحد وتوقف كل الأعمال الهجومية ـ ولا سيما الغارات الجوية». يردّ نتنياهو: «ماذا ستحصل إسرائيل مقابل وقف النار؟». يقول أوباما: «أؤمن أن حماس ستوقف نار الصواريخ ـ الهدوء مقابل الهدوء».
نتنياهو يحاول الاعتراض فيقول: «حماس خرقت كل الحالات الخمس لوقف النار السابقة. فهي منظمة إرهابية ملتزمة بإبادة إسرائيل». لكن أوباما يبقى مصراً: «أعود وأكرر وأتوقع من إسرائيل أن توقف كل أعمالها العسكرية من طرف واحد. صور الدمار من غزة تبعد العالم عن موقف إسرائيل». يصعد الكلام نتنياهو: «اقتراح كيري كان غير واقعي تماماً ومنح حماس مكاسب عسكرية وديبلوماسية».
تجاهل أوباما انتقادات نتنياهو وقال: «خلال أسبوع من انتهاء الأعمال العسكرية الإسرائيلية ستبدأ قطر وتركيا مفاوضات مع حماس على أساس تفاهمات العام 2012، وفيها التزام إسرائيلي برفع الحصار والقيود عن غزة». يرد نتنياهو: «قطر وتركيا هما الداعمتان الأكبر لحماس، لا يمكن الثقة بأن تكونا وسيطتين نزيهتين». لكن أوباما يواصل «أنا أثق بقطر وتركيا. إسرائيل ليست في وضع يمكنها أن تختار الوسطاء». ويردّ نتنياهو: «أنا أحذر من أنه سيكون بوسع حماس مواصلة إطلاق الصواريخ واستخدام الأنفاق للهجمات الإرهابية». يحسم أوباما: «الكرة في ملعب إسرائيل، وهي ملزمة بوقف أعمالها العسكرية».
الأمر قد لا يكون فعلياً بهذه الحدة، لكن موقف أوباما يتضمن كلامه العلني الذي كرره، وهو وقف نار فوري على أساس تفاهمات العام 2012 التي رعتها الإدارة الأميركية بالشراكة مع النظام المصري في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.
وكان السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو أعلن أن فحوى شريط المكالمة بين أوباما ونتنياهو، الذي أذيع في القناة الأولى، «مختلق وبعيد عن الواقع». لكن مراسل القناة الأولى، ولإبعاد شبهة التسريب عن إسرائيل، قال إن القناة حصلت على فحوى الشريط من مصدر أميركي.
واعتبر المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أودي سيغال أنه «بعد مرور ثلاثة أسابيع، يبدو أن الضغط الأميركي يقود إلى إنهاء العملية: فالرئيس الأميركي باراك أوباما، مارس ضغطاً شديداً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في المحادثة الهاتفية بينهما، ووضع له حدوداً أميركية واضحة. حدود يبدو أنها ستقود إلى نهاية عملية الجيش الإسرائيلي في غزة في الأيام القريبة». وفي نظره فإن المجلس الوزاري المصغر محتار بين توسيع جوهري للعملية وبين إنهائها هذا الأسبوع بعد إكمال معالجة أمر الأنفاق.
وفي كل حال من الواضح أن الإدارة الأميركية تضغط بكل قوتها من أجل وقف النار، ولو على قاعدة إنسانية. ويعتقد بعض الخبراء في إسرائيل أن الدافع الأساس، وإن لم يكن الوحيد، هو الخشية على انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله. ولم تخف مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في كلامها أمام مؤتمر تضامني مع إسرائيل، نظمته قيادة المنظمات اليهودية في أميركا، غضب إدارتها على مسؤولين في إسرائيل.
وقالت رايس «ذهلنا من تقارير عدة في إسرائيل، تشوّه جهود كيري من أجل التوصل إلى وقف نار. ونحن نعلم أن التقارير المشوهة أثارت قلقاً هنا في أميركا. والواقع أن جون كيري، باسم الولايات المتحدة، عمل على طول الطريق بالتعاون مع إسرائيل. ونحن نؤيد علناً، وفي حوارات خاصة حق إسرائيل في العمل ضد الصواريخ والأنفاق، لكننا سنواصل الحديث بشكل مباشر حين يحاول أحد تشويه الوقائع».
وأضافت رايس: «على الصواريخ أن تتوقف، وينبغي لنا أن نعمل على وقف ضرب المدنيين. إننا نخشى أن استمرار القتال سيزعزع الاستقرار في الضفة الغربية. وينبغي لنا حماية أمن إسرائيل ومساعدتها في التوصل إلى تسوية بحيث لا تتعرض لهجمات بعد عام أو عامين. كل حل في غزة يجب أن ينتهي بتجريد المنظمات الإرهابية من سلاحها. سنعمل بالتعاون الوثيق مع إسرائيل، فإسرائيل ليست وحدها، لا في الحرب ولا في السلم».
وبديهي أن كلام رايس أمام زعماء المنظمات اليهودية كان ملطفاً مقارنة بالاتهامات التي وجهتها جهات أميركية لمسؤولين إسرائيليين بأنهم يشوّهون مواقف وسلوكيات كيري. فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بيساكي أن «الشركاء والحلفاء لا يتعاملون بهذا الشكل مع بعضهم»، وشددت على أن الوثيقة، التي عرضتها صحيفة «هآرتس»، لم تكن مسودة ملزمة. وشددت على أن الهدف الأول لكيري كان وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل وأن على الجميع عدم الانشغال «بتشويه الوقائع عبر مصادر مجهولة».
وزاد الطين بلة أمس الأول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي قالت في مقابلة مع قناة «فيوجين»، إن «جانباً من أسباب وضع حماس لصواريخها في مناطق مأهولة، واقع أن القطاع مكان صغير ومكتظ جداً». وأضافت «صحيح أن إسرائيل أرسلت تحذيرات، وحاولت دفع المدنيين لترك هذه الأماكن، لكن في كل نوع من الصراع يقع ضحايا مدنيون، ونحن بحاجة إلى وقف نار بأسرع ما يكون». ومع ذلك قالت إن «حماس» هي من استفزت إسرائيل، وأن للدولة العبرية الحق في الدفاع عن نفسها. لكن استدراك كلينتون، والتي تعتبر المرشحة الأبرز للحزب الديموقراطي لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، لن يعفيها من التعرض لحملة إسرائيلية ويهودية واضحة.

السابق
سليماني: مستمرون في نصرة المقاومة في غزة
التالي
توتر في وادي خالد بعد تسليم 4 ضباط منشقين