القلمون: معركة الأمعاء الخاوية تُنهك حزب الله

شنّ طيران النظام السوري غارة جديدة على جرود عرسال اللبنانية، أدت الى وقوع 4 جرحى من اللاجئين السوريين في موقع قريب من منزل لمختار البلدة. الخبر بات يوميا في عرسال التي تشهد جرودها منذ اسابيع معارك عنيفة بين مقاتلي حزب الله والنظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة، حيث تنفذ القوات التابعة للنظام طلعات جوية متكررة في محاولة لتأمين الغطاء الجوي لمعركة تدور “بشق النفس” بالنسبة للجهتين، خصوصا مع عملية الاستنزاف التي يتعرض لها مقاتلو حزب الله، وعدد الضحايا الكبير الذي سقط على ارض المعركة، وسط معرفة لوجستية اعمق للارض من قبل معارضي النظام الذين قاموا بمحاولات متكررة للتقدم باتجاه الاراضي اللبنانية، واشتبكوا مع عناصر الجيش اللبناني الاقرب الى المواقع السكنية، ومن بينها مواقع اللجوء السوري في بلدة عرسال.

اذاً، الخطر بات على باب عرسال الآهلة بالسكان. الأمر استشعرته الهيئات المحلية في البلدة وبلديتها التي دعت قبل ايام الى تحييد البلدة عن مأساة انسانية، ورفضت تحوّل أرضها إلى “ميدان تتغلغل فيه مجموعات مسلحة بذريعة الثورة وتشكل خطراً علينا وعلى النازحين وتمارس عمليات نهب وترويع، فمن يريد الجهاد والنضال لأجل سوريا فليتوجه إلى الجبهة المفتوحة في سوريا”.

بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يفترض أن يبعد مخيم اللاجئين 30 كيلومترا عن منطقة العمليات العسكرية كي يكونوا محميين تماما داخل الدولة المضيفة. ولكن ماذا اذا تغلغلت عمليات العنف الى داخل البلدة الاقرب الى منطقة النار في عرسال؟

اكثر من مئة الف لاجئ سوري، احتموا في عرسال منذ بدء الازمة في محيط المواقع السكنية الاكثر أمانا في البلدة، حيث اقيمت لهم تجمعات خيم، شكلت نقطة الاستهداف الانسانية الابرز بالنسبة للمنظمات الدولية الداعمة ولا سيما مفوضية الامم المتحدة للاجئين الـ UNHCR.

يتركز عمل المفوضية بحسب المسؤولة الاعلامية للمفوضية في منطقة البقاع ليز ابو خالد في المناطق الآمنة التي تقع تحت حماية الجيش اللبناني، فيما تعمل المفوضية على توفير المساعدات المعيشية للذين اقاموا خارج الحدود الامنية من دون التقدم باتجاه تلك المناطق.

بحسب ابو خالد، لا خطر داهماً حتى الآن يفرض البحث عن اماكن بديلة لسكن اللاجئين الذين احتموا في عرسال، ولكن في حال تطورت الامور الامنية، فإن المسألة لن تكون سهلة، خصوصا ان اراضي لبنان والبقاع تحديدا لم تعد تتسع لمخيمات اضافية، وما نتحدث عنه هو عدد كبير من اللاجئين الذين استقروا لفترة طويلة في البلدة.

في المقابل، لا ملجأ بديلاً للسوريين الذين احتموا في عرسال في البلدات البقاعية الملاصقة لها. فكل لاجئ سوري “متهم بالارهاب الى ان تثبت براءته” على طول الخط المحيط بعرسال من اللبوة الى الهرمل شرقا والى بعلبك وقرى قضائها غربا، وعلى هذا الاساس يتعاطى جمهور حزب الله المقيم في هذه البلدات، والذي وضع في حالة استنفار، ترجمت حالة الحذر الدائم تجاه كل آلية تسلك طرقاتها قادمة من عرسال.

وفي هذا الاطار جاءت الاسبوع الماضي حادثة اطلاق النار في اللبوة على بيك اب كان قادما من عرسال، ورفض الامتثال بحسب التقارير الاعلامية لاوامر الشرطة البلدية بالتوقف. من دون اي تفسير للسلطات المعطاة للشرطة البلدية بحمل السلاح واطلاق النيران.

الا أنه على رغم الكلام الواضح في هذه البلدات، والذي يُحمل عرسال مسؤولية استدراج المشاكل الى المنطقة عبر ايوائها معارضي النظام وتأمين مقومات صمودهم، يبدو الايقاع مضبوطا عند جمهور حزب الله، لمنع الوقوع في معارك جانبية، وهو ما يترجم ردة الفعل الهادئة التي قوبل بها خطف المهندس محمد القاضي من منطقة رأس بعلبك بينما كان متواجدا على اطراف عرسال. واصرار رئيس بلدية اللبوة رامز امهز على ان الاخير يتحمل جزءا من مسؤولية التعرض له في عرسال عندما قصد البلدة على رغم التحذيرات المتكررة بتجنب التوجه اليها في الفترة الحالية.

معركة الجرود المفتوحة تستنزف الحزب، القتلى بالعشرات. إلا أن أهالي اللبوة والنبي عثمان يترقبون ما وعدوا به من نتائج مرضية لمعركة جرود عرسال ـ القلمون، معولين على سياسة “تضييق الخناق” لمنع وصول الامدادات الغذائية والعسكرية الى المقاتلين، ليلحقوا بهم كما يسمونها هزيمة “الامعاء الخاوية”، وان كان ذلك يتطلب تراجعا في عزيمة بعض ابناء عرسال في تأمين هذه الامدادات.

على أرض المعركة، لا يبدو ان الكر والفر الدائر في جرود السلسلة الشرقية المرتبطة بالقلمون السورية، قد ادى حتى الآن إلى حسم المعركة لمصلحة طرف من طرفي القتال، او انه سيصل الى ذلك قريبا، على رغم تناقل الطرفين الاخبار “المفرحة” عن سيطرتهما على تلة او اخرى. وبحسب اوساط المعارضة السورية المشاركين في هذه المعارك فإن على حزب الله ان يقلق من استدراج التطرف الى الجبهة اذا استمر في مطاردة المقاتلين في المنطقة. خصوصا ان الهدف المعلن بالنسبة لهم هو حتى الآن فتح الخطوط باتجاه الاراضي السورية، اما تضييق الخناق فسيدفعهم باتجاه الاراضي اللبنانية عبر كل المنافذ في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وبالتالي توسيع رقعة المواجهة الى الداخل اللبناني، وبشكل اعنف من الذي حملته الاحداث حتى الآن.

السابق
غزة: نكبة جديدة
التالي
طائرة استطلاع اسرائيلية خرقت اجواء البقاع والجنوب