زاهي وهبي: لم يترك لنا الأسلاف العظماء شيئا لنقوله

زاهي وهبي
في حديث لـ"شؤون جنوبية" يحكي الشاعر والاعلامي الجنوبي زاهي وهبي عن الشعر وذكريات طفولته التي كان الأدب والشعر جزءا منها. ويقول وهبي إنّ قصائد محمود درويش تمثل معيناً شعرياً لا ينضب كما كان الحال مع شخصيته الفذّة. ويقول: "في الواقع لم يترك لنا الأسلاف العظماء شيئاً لنقوله، البشرية قالت بالشعر والفن كل شيء، والشعراء السابقون كتبوا الولادة والموت والحب والفراق والانتصار والهزيمة والخيبة وفرح اللقاء، لذا ما من جديد نقوله فالحياة هي نفسها منذ كان جدّانا آدم وحواء إلى يومنا هذا".

في حديث لـ”شؤون جنوبية” يحكي الشاعر والاعلامي الجنوبي زاهي وهبي عن الشعر وذكريات طفولته التي كان الأدب والشعر جزءا منها. ويقول وهبي إنّ قصائد محمود درويش تمثل معيناً شعرياً لا ينضب كما كان الحال مع شخصيته الفذّة. ويقول: “في الواقع لم يترك لنا الأسلاف العظماء شيئاً لنقوله، البشرية قالت بالشعر والفن كل شيء، والشعراء السابقون كتبوا الولادة والموت والحب والفراق والانتصار والهزيمة والخيبة وفرح اللقاء، لذا ما من جديد نقوله فالحياة هي نفسها منذ كان جدّانا آدم وحواء إلى يومنا هذا”.

الإنسان، الشاعر، الإعلامي زاهي وهبي، رجل ادّعت القصيدة بأنّه أرتكبها عن سابق إصرار وترصد. التقته “شؤون جنوبية” في هذا الحوار..
من استدرجك الى للشعر وتخومه القصية، أُنثى الشعر، أم الأنثى المستعادة، أم المتخيلة؟
كلُّ ما عشته استدرجني إلى الشعر، النشأة الريفية ومصادقة الينابيع والعصافير والرعاة والقطعان العائدة عند المساء ورعود الشتاء وأغاني الحطّابين والحصّادين، أنا ابن ذاكرة مائية بامتياز، وقبل ذلك ابن التراب والطين والبيت الحجري العتيق والغرفة الترابية الضيقة الي كانت تتسع بصلاة أمي وبيديها المرفوعتين دعاءً نحو السماء، فضلاً عن سحر الريف الذي يميز الجنوب اللبناني ويمنحه مناخاً شاعرياً بامتياز جعل الكثيرين من أبنائه أدباء وشعراء بالفطرة والسليقة، ولعله من حسن حظي أنني ولدت وعشت السنوات الخمس الأولى من عمري في تلك الغرفة التي كان يتفجر داخلها ينبوع ماء في فصل الربيع وتعشش فيها عصافير السنونو فهل أجمل من أن يكون أول صديقين في حياتي ينبوع وعصفور؟
جدي لأبي كان شاعراً وجدي لأمي كان فقيهاً وشاعراً وأخوالي كذلك، وعن أمي ورثت حب الأدب والشعر ومنها سمعت المرويات الشعبية وأبيات القصائد المتواترة أباً عن جد، كل هذا ساهم بتكوين الجنين الشعري في داخلي، ولأنني نظرتُ الى العالم بعيني امرأة كوني كنتُ وحيداً لوالدتي فقد ظللت منحازاً للأنوثة طيلة حياتي، أنوثة الطبيعة وأنوثة الحياة، وبالطبع أنوثة المرأة التي تناديني وتستدعيني دائماً للشعر والكتابة.
هل الشعر معادلك للمرأة الحضور أم المرأة الغياب، فبعض العناوين تقول ” كأني غريبك بين النساء، أضاهيك أنوثة، في مهب النساء”؟غالباً ما يكتب الشاعر للمرأة التي غادرته أكثر مما يكتب للمرأة التي أقامت فيه، وفي قلبه وعقله ووجدانه، يكتب خساراته أكثر مما يكتب انتصاراته، لذا نلاحظ أن أغلب الشعراء كتبوا اللوعة والغياب والفراق ومنهم مَن قال إنّ جذوة شوقه تخفت حين اللقاء، لكنني أزعم أنني أمثل حالةً خاصة في هذا الموضوع اذ كتبتُ المرأة الغائبة مثلما كتبتُ الحاضرة، كتبت لنساء تركن ندوباً في روحي وجسدي ومضين الى مصائرهن المختلفة، مثلما كتبت لأمي ولزوجتي ولأبنتي، ويمكنني القول براحة ضمير إنّ المرأة في حلّها وترحالها تمثل المحرّض الأول والأساس للكتابة الشعرية عندي، خصوصاً أنني لا أكتبها فقط كأنثى انما أولاً كأنسانة تحيا مراحل وحالات الحياة على اختلافها. صحيح أنني أمجد الأنوثة لكنني ضد سجن المرأة في هذا الاطار، بل أنادي بتحررها وتحريرها من كل السجون التي يسعى البعض لمحاصرتها بها.
هل أرادت ” أنا” الشعر لديك أن تكون ” أنا” الآخر أيضاً؟
إذا لم تكن أنا الشاعر هي أنا الآخر في الوقت نفسه تتحول الى أنا نرجسية مرضية متورمة وقاتلة لصاحبها، بالشعر نرّوض الأنا، لكننا كلما اقتربنا من ذواتنا اقتربنا من الآخر، وكلما كنا أنقياء وصادقين في التعبير الشعري كلما اقتربنا من ملامسة الداخل العميق في وجدان المتلقي وفي وعيه وضميره، وفي رأيي لا يمكن الفصل بتاتاً بين أنا الشاعر وأنا ألآخر أو نحن الجماعة، صحيح لم يعد الشاعر كما كان في السابق لسان حال القبيلة والناطق الرسمي باسمها، لكنه لا يزال ناطقاً بالهموم والقضايا الانسانية التي متى انفصل عنها خسر جزءاً غير يسير من شاعريته
هل خرجت بعض القصائد العربية من معطف محمود درويش؟.
لا شك ان محمود درويش شاعر كبير ومن أهم الشعراء العرب على الاطلاق، شعريته العالية فرضت نفسها على كثيرين وأثّرت في كثيرين، أظن يلزمنا وقت للخلاص الايجابي من وطأة القصيدة الدرويشية، وبالنسبة لي لا تزال قصائد درويش تمثل معيناً شعرياً لا ينضب كما كان الحال مع شخصيته الفذة، وكان من حسن حظي أنني عرفته في العشر الأخيرات من حياته وصادقته وزرته في بيته وزارني في بيتي وتعرّف إلى أمي قبل رحيلهما، أمي التي كانت تحب كثيراً قصيدته لأمه.
هل تقصدت بشعرك الذهاب إلى حساسية جديدة، كشيء من المغايرة والاختلاف مع منجز القصيدة العربية على مستوى الشكل والرؤيا، ما يشي بالتمرد على جاهزية القاموس والسائد الإبداعي؟
في الواقع لم يترك لنا الأسلاف العظماء شيئاً لنقوله، البشرية قالت بالشعر والفن كل شيء، والشعراء السابقون كتبوا الولادة والموت والحب والفراق والانتصار والهزيمة والخيبة وفرح اللقاء، لذا ما من جديد نقوله فالحياة هي نفسها منذ كان جدّانا آدم وحواء إلى يومنا هذا، ما يتغير هو شكل الحياة وأسلوب العيش لكن المضامين الانسانية تبقى هي هي، ما نفعله نحن الشعراء الجدد أو المعاصرين هو إعادة قول كل ما قيل ولكن بطريقة جديدة ومبتكرة، والشاعر الحقيقي هو مَن يستطيع أن يقول ما قاله الاسلاف ولكن بقالب مختلف ومقاربة مختلفة، وهذا ما أحاوله وأسعى اليه، أختلف عن ومع حساسية القصيدة السابقة لكن من دون أن أقطع معها
هل أنصف النقد الشاعر زاهي وهبي؟
كتبَ عني وعن شعري الكبار مثل سعيد عقل، شوقي أبي شقرا، غادة السمّان، طلال سلمان، بول شاوول، شوقي بزيع، علوية صبح، سعدية مفرح، مرسيل خليفة، هالة نهرا، وسواهم كثر من نقاد وأدباء الوطن العربي، وتم تكريمي في منتديات ومهرجانات ومحافل أدبية كثيرة على امتداد الوطن العربي ووقفت شاعراً على مختلف المنابر العربية من الرباط على المحيط الى مسقط على بحر عُمان وما بينهما، وتم منحي الجنسية الفلسطينية تقديراً لدوري في دعم القضية الفلسطينية ودرع الوعد الصادق من هيئة دعم المقاومة الاسلامية تقديراً لدوري الاعلامي خلال العدوان الاسرائيلي في تموز العام 2006 واختارتني مجلتا نيوزيك وآرابيان بيزنس من ضمن الشخصيات المؤثرة في الوطن العربي ومنحني صالون الخريف الباريسي العريق درعه وغنى قصائدي مرسيل خليفة وأحمد قعبور وأميمة الخليل وهبة القواس وجاهدة وهبي، كما استلهم قصائدي رسامون ومصممو أزياء ومصاغ على امتداد الوطن العربي، وهذا بالنسبة لي أكثر من انصاف، والمهم بالنسبة لي أن أواصل الكتابة الشعرية وتطوير تجربتي وقصيدتي التي ستبقى حتى بعد رحيلي عن هذه الفانية.

السابق
مبعدون فلسطينيون يصنعون من القبح جمالا
التالي
أستراليا تأمر باعتقال اثنين من مواطنيها حاربا في سوريا