حزب الله مستمرّ في تجفيف منابع الإرهاب

بات معروفا بأن الأجهزة الأمنية الغربية على تنسيق كامل مع الأجهزة اللبنانية في موضوع مكافحة الإرهاب، ولعلّ هذا الهمّ المشترك انسحب بطريقة غير مباشرة على علاقة الغرب مع “حزب الله”، وإن لم يتظهّر هذا التبدّل علانيّة وبشكل محرج لدوله.

فالإرهاب المتمدد إقليميا، والذي اتخذ وجها متوحشا في العراق، يهدّد الاستقرار في الإقليم وفي الجوار الأوروبي وحتى في العالم، بدّل النظرة الدولية الى المعارك الأخيرة لـ«حزب الله» أخيرا في منطقة القلمون والتي تصفها أوساطه بأنها “تجفيف لمنابع الإرهاب المتمثل بالانتحاريين وبالسيارات المفخخة، والذي قطع شوطا كبيرا في اتجاه النهاية”.

في قناعة الحزب أن استبصاره للأهداف البعيدة الأمد للجماعات الإرهابية المتطرّفة التي تصبّ في خدمة مخطّط دولي يهدف الى تغيير جغرافية المنطقة وديموغرافيتها السكانية، هو ما أنقذ لبنان من خطر اختراق حدوده من قبل “داعش” وأمثالها، ومنع اختراقها للقرى المسيحية والشيعية والسنية على حدّ سواء، خصوصا في البقاع الشّمالي.

أدركت قيادة “حزب الله” برؤيتها البعيدة المدى التي بنتها من خلال معلومات متراكمة عبر السنين، وتحديدا بعد حرب تموز 2006، أنّ هدف الإخلال بالتوازن في تلك المناطق هو شرارة لحرب لا تنتهي، خصوصا وسط محاولات تكررت لمجموعات سلفية للتسلل الى قرى مثل اللبوة والعين والفاكهة ورأس بعلبك وسواها، وهي قرى وبلدات عرفت أعواما غير قليلة من التعايش والتآخي في ما بينها.

وبحسب آخر المعلومات أنّ عملية “التجفيف شارفت على نهايتها، وكانت قسّمت الى 3 مراحل، وهي بلغت المرحلة الثالثة، بحسب الأوساط المقرّبة من “حزب الله”.

هذا من الجهة اللبنانية، أما في ما يخصّ الضفة السورية فقد وفّرت هذه العملية طريقا آمنة وسالكة بين دمشق وحمص وحمت الريف الشمالي لدمشق باتجاه البحر، وهي عمليا منطقة تضمّ زهاء 80 في المئة من سكّان سوريا.

ويتلمّس “حزب الله” من خلال الديبلوماسيين الغربيين الذين باتوا يتوافدون الى الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل متواصل، تبدّل المزاج حيال مشاركته في الحرب السورية في القلمون التي بدأت في نهاية العام الفائت، مقارنة بما كانت عليه الحال في معركة القصير منذ سنة، وتحديدا في أيار عام 2013، علما أنه من وجهة نظر الحزب، فإنها كانت عمليّة تسلسليّة واحدة نفّذت على مراحل.

صمت غربي حيال معركة القلمون

وبالرغم من أن معركة القلمون هي أكثر اتّساعا من حيث النّطاق الجغرافي وأكبر من حيث الصدّمة، فإن معركة القصير شكلت صدمة أكبر لأنها كانت المشاركة الأولى، ورافقتها أفكار أثبتت خطأها بأنه يستحيل على “حزب الله” تنفيذها بنجاح. لكنّ “الانتصار النظيف” الذي حققه الحزب، أثار ردّة فعل دولية غاضبة تظهّرت بإدراج جناحه العسكري على لائحة الإرهاب الدّولية من قبل الاتحاد الأوروبي بشكل أثبت أن لا علاقة له البتّة بتفجير بورغاس في بلغاريا، بل باعتقاد الدول المعادية لنظام بشار الأسد أن “حزب الله” كان وراء صموده، وهي فكرة يتواضع”حزب الله” في الاعتراف بها.

بينما في معركة القلمون لم يسمع “حزب الله” مباركة من السفراء الغربيين المتقاطرين الى الضاحية، لكنّه لم يسمع ايضا نقدا واحدا، وهذا، برأيه، أمر يشبه المباركة.

وقد لعب عامل التمدد الإرهابي بوجهه “الدّاعشي” دورا في الموقف “المتسامح” للدول الغربية من جهة، بالإضافة الى تبدّل نظرتها الى الأزمة السورية من المراهنة على إسقاط بشار الأسد الى الاقتناع بالحلّ السياسي.

لا ينخدع “حزب الله” بالسلوك الغربي ويدرك جيدا أن بعض دوله تفكّر من زاوية ثانية، إذ تعتبر أنّ تورّط “حزب الله” أكثر في الرمال السورية سيضعفه ويجعله غريقا، عاجلا أم آجلا. وتعتبر بعض الدول أنّ قطع ممرّ الإمداد البري من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان، هو محاولة تعوّضها فشلها في سوريا.

تعترف الأوساط المقربة من “حزب الله” بأن حرب العراق غيّرت جزئيا من موازين القوى “لكنّ وضع محورنا مرتاح. وإذا كان ثمّة من يراهن على داعش، فبارك الله لهم بها، لأنها ستشكّل تهديدا أساسيا لبلدانهم في المستقبل غير البعيد”.

وفي قراءة معمّقة، يرى المقربون من “حزب الله” أن الفارق شاسع بين السيناريو الذي كان يرسم للإجهاز على “حزب الله” وحصار بيئته الحاضنة، وبين النتائج التي تحققت عبر كسر حلقات الطوق المتعدّدة، من الحرب الداخلية الى حرب المجموعات الإرهابية الى التهديد الدائم والمستمر من قبل العدوّ الصهيوني، وأن النتائج صبّت في مصلحة “حزب الله” بدرجة كبيرة بما فاق كلّ التوقعات والتخيّلات التي كانت تدور في بال خصومه.

في الوقت الراهن، يكتفي “حزب الله” بعملية “التجفيف” التي يقوم بها في القلمون، وليست هناك خطة حالية لإرسال مقاتلين الى العراق كما بدأ يروّج بعض مسؤولي قوى “14 آذار”. وتؤكد الأوساط المقربة أنّ الحزب في وضع جيّد، أما الخسائر التي يبالغ الخصوم في تقديرها “فهي بالتأكيد ليست كما يشتهون، وأدق من عبّر عن حجم الخسائر في سوريا كان الجانب الاميركي الذي لمّح الى أن خسارة الحزب لا تتعدّى المئة من عناصره لا أكثر”.

(مارلين خليفة – السفير)

السابق
من سيخلف خامنئي؟
التالي
أغاني لبنان تمجّد العنف: كسّرلي ضلوعي… تضبضبي