أغاني لبنان تمجّد العنف: كسّرلي ضلوعي… تضبضبي

أغلب الظن أنّ موجات "العنف المغنّى" بدأت مع المغني محمد اسكندر في أغنيته الّتي أحدثت جلبة وأثارت الانتقادات "جمهورية قلبي". لكن منذ ذلك الحين، تمر تقريباً جميع الأغاني الأخرى من دون إدانات كأنّها أصبحت موضة. لقد تعوّدنا عليها. لم نعد نعي الخطر الّذي تشكله.

“اغمرني كسرلي ضلوعي، ساوي اللي بدك فيي، اجرحني نزلي دموعي، وحدك بتمون عليي. هيدي الليلة ليلتنا صارت علناً قصتنا، انشاالله اللي بدو يحسدنا يصيبو سكتة قلبية”. هذه ليست مزحة ولا إعلان سيّء لفيلم عن العنف مثلاً. هذه كلمات أغنية تبثها الإذاعات يومياً تقريباً. نسمعها أحياناً وقد نردّدها حتّى دون أن نعي ما نقول. يستمر تكريس صورة المرأة المازوشية على أنغام “بدي ياك تعالجني من الأمراض النفسية، بدل القمصان لبسني تتضل معلّق فيي”.

لا تقتصر موجة الأغاني الرديئة على هذه الأغنية فحسب، لكي لا نظلمها ونحملها وحدها مسؤولية هذا الانحطاط، بل تستمر من أغنية “حلي عني” حتّى “كبرانة براسا وما بدا… ما يخلني ان ما خليتا، نجوم الضهر تشوفن حدا… والله بكرا لخليها تترجاني تردا” وإلى عبارات كـ”الكفّ ملبّع عخدا”. ولا تقتصر على الرجال فقط بل أيضاً فنانات يغنين للعنف كنوال الزغبي: “اللّي بيفكر يجرحك برتاح منو بقتلو”.

أغلب الظن أنّ موجات “العنف المغنّى” بدأت مع المغني محمد اسكندر في أغنيته الّتي أحدثت جلبة وأثارت الانتقادات “جمهورية قلبي”. لكن منذ ذلك الحين، تمر تقريباً جميع الأغاني الأخرى من دون إدانات كأنّها أصبحت موضة. لقد تعوّدنا عليها. لم نعد نعي الخطر الّذي تشكله.

العنف الاجتماعي في الأغاني يليه أيضاً عنف “ناعم” أحياناً أو عنف بأبعاد اقتصادية. فحتّى حين يريد المطرب أن يغني غزلاً لحبيبته، يقول لها “اطلبني عالموت بلبيك”. وحين يريد أن يستعرض الأوضاع الاقتصادية الرديئة التي تمر بها البلاد، “أنا شاب وعم أسس حالي… لازم ترضي بهيدي الحالة… ضبي اغراضك شو ما كنت ما بيطلعلك فرصه يلا اضبضبي”.

ربما يكون التنديد بهذا الأسلوب من الفن واجباً، لكن يجب أيضاً الاعتراف بأنّ هذا العنف المغنّى هو انعكاس لواقع يعيشه المجتمع اللبناني. هذا العنف المعاش والتوتر اليومي يظهر في سلوك الناس من سائقي التاكسي حتّى الفتوات العاطلة عن العمل الجالسة في المقاهي، مفهوم الفحولة الّذي قد لا يكون أكثر من مرارة إخفاء عجز الشباب اللبناني أن يكونوا غير “الفتوات” الّذين يصبحونهم أحياناً.

العنف الجنسي في لبنان يتجلّى مؤخراً بأفظع صوره، وربما يكون الفضل لمواقع التواصل الاجتماعي في إخراج هذه البشاعة إلى العلن. امرأة تعرّضت للضرب، وأطفال للاغتصاب والتحرّش الجنسي، أب يقتل ابنته لسبب تافه، عنف في الرياضة، أسلحة فردية هنا وهناك.

هذا العنف ليس جديداً. لقد أظهره “الأشقاء” في الوطن منذ الحرب الأهلية. وهو مستمر طالما أن بنية الوطن آخذة في التدهور وطالما أن مرحلة ما بعد الحرب لا تزال بلا علاج وطالما أن معالجات الدولة للأمور سطحية. لقد أصبح الوطن أشبه بالنار تحت الرماد. وحتّى نجد خلاصاً ما، يمكننا أن نستمرّ بارتياد الحفلات والتمايل على أنغام “يلا اتضبضبي”، كأنّ شيئاً لا يحدث.

يمكننا أن نرقص لأنّنا نعرف أن الكفوف “ملبّعة على خدودنا” ليلاً نهاراً. ويمكننا أن نكرّر أغنية “اطلبني عالموت بلبيك” الّتي تحمل أبعاداً غير مفهوم الحب في الأغنية. يكفي أن ننظر إلى الزعماء وأزلامهم، لنسمع كلامها يصدح من كل صوب. لسنا فعلاً بحاجة إلى زرّ “الريبلاي”.

السابق
حزب الله مستمرّ في تجفيف منابع الإرهاب
التالي
في مديح السفارة الأميركية أمام سفارتي إيران وسوريا