تحليل اسرائيلي: قطر راعية الارهاب برعاية اميركية

دون أن ينتبه أحد، تحوّلت الإمارة العاشقة لكرة القدم إلى العاصمة الإسلامية المتطرّفة، والتي تموّل حماس والطالبان وتدعم استمرار الحرب في الجولة الحالية. وكل ذلك يجري تحت رعاية الإدارة في واشنطن، التي إنْ لم تستيقظ في الوقت، ستفقد كلّ موطئ قدم في الشرق الأوسط

في ظلّ الأحداث القاسية، حدثت حادث غير دبلوماسيّ بشكل جليّ: تحديدًا حين وصل أبو مازن والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى الدوحة لتعزيز جهود وقف إطلاق النار، قال مسؤول قطري كبير لوكالة الأنباء رويترز إنّ الإمارة “لن تضغط على حماس” لتخفّف من مطالبها وتوافق على وقف إطلاق النار.
كان هذا التصريح، الذي أوضح عدم اهتمام قطر بوقف القتال، مجرّد تعبير آخر للمكانة الجديدة للإمارة كإحدى الجهات المتطرّفة والمحرّضة في الشرق الأوسط. تعتبر قطر اليوم المحرّك لعدم الاستقرار في المنطقة، سواء كان ذلك بواسطة الملايين التي تصبّها على المجموعات المتطرّفة أو بواسطة بثّ الجزيرة.

إنّ الأزمة الراهنة، التي تدفع فيها قطر حماس لتعميق القتال، هي قمّة جبل الجليد فقط. تحوّلت الدولة بقيادة الأمير تميم بن حمد آل ثاني، التي كانت يومًا معتدلة ووجهتها للغرب، إلى قنبلة موقوتة. أهمل آل ثاني – الذي تولّى الحكم قبل عام فقط – سياسة التوازنات التي قادها والده، وهو يستثمر باسم الإسلام ثروة الإمارة الهائلة لتنمية جهات تسعى إلى إشعال الشرق الأوسط بأكمله.

إذا حكمنا من خلال أحداث الأسابيع الأخيرة، فإنّ خطّته تتقدّم بشكل جيّد. وثيقة تأمين أمريكية على خلفية الحرب في غزة، وتقف إسرائيل أمام التحدّي القطري. رغم ذلك، فلا تزال الإدارة الأمريكية نائمة. تعمل إدارة أوباما منذ سنوات بخلاف الديناميكية الشرق أوسطية، وتراهن على اللاعبين الخطأ، تخون الحلفاء، وتتخلى عن رعاتها وتحمي عناصر مدمّرة.

علينا أن نفهم بأنّ قطر واقعة تحت حماية ورعاية أمريكا. وتقف وراء هذه العلاقة الغريبة، كما هو الحال دومًا، مصالح اقتصادية وعسكرية فريدة من نوعها. إنّ تاريخ الفصل الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر يبدأ منذ عام 1995، حين أسقط الأمير حمد بن خليفة آل ثاني والده وأمسك بحكم الإمارة.

سارع بن خليفة، الذي خشي من انقلاب مضاد تدعمه السعودية وسائر دول الخليج، إلى الأذرع الأمريكية، وأعلن لهم ولاءه المطلق ولم يعارض تدبيرين متطرّفين: قام بعلاقات مع إسرائيل ومكّننا من إقامة مكتب تمثيلي في العاصمة الدوحة، وموّل إنشاء القاعدة الأمريكية “العديد”، غربيّ الدوحة، بمبلغ خيالي من مليارات الدولارات (هذه هي القاعدة الأمريكية الوحيدة خارج حدود الولايات المتحدة التي لم يموّل الأمريكيّون إنشاءها).

كان الوجود الأمريكي وبقي وثيقة التأمين للإدارة القطرية، كي لا يغزوا جيرانها أراضيها ويسقطوا حكمها. حين ننظر إلى السلوك القطري، علينا أن نتذكّر بأنّ كلّ يوم يبقى فيه النظام في الدولة فهذا بفضل واشنطن. إلى جانب وثيقة التأمين العسكرية، اشترت قطر لنفسها سلاحًا هجوميًّا فريدًا ممثّلا بشبكة الجزيرة.

كانت الجزيرة مزيجًا من التطرّف الديني، التحريض السياسي والمعايير الصحفية المشروعة، وخصوصًا على نطاق العالم العربي. يكفي أن نشير إلى أنّه من أجل إنشاء الشبكة، اشترت قطر غالبية عمال الـ “بي بي سي” العربية، كي نفهم لماذا تعتبر الجزيرة جسمًا إعلاميًّا جادّا في العديد من الدول الغربية.

أمّا من لم يشتر أبدًا هذه الممارسة فهي دول الخليج. فهي تمنع حتى اليوم فتح بثّ شبكة الجزيرة للأخبار في مجالها. مؤخرًا، بدأت مصر أيضًا بتقييد نشاط الجزيرة بل تمّ الحكم بالسجن على صحفيّين من الشبكة.

ومقابل إنشاء الجزيرة وتوثيق الحلف العسكري مع الولايات المتحدة، منح الأمير حمد بن خليفة للشركات الأمريكية عقود تطوير واستخراج للنفط والغاز، والتي رسّخت الدعم الأمريكي لنظامه. عُرفت قطر في عهد حمد بـ “سياسة التوازنات”: العلاقات مع إسرائيل جنبًا إلى جنب مع دعم حماس، رعاية أمريكية مع علاقات بطالبان، عضوية في مجلس التعاون الخليجي إلى جانب علاقات مع جعل هذا النهج قطر واحدة من أبغض الدول على الزعماء العرب. كرهت مصر مبارك القيادة القطرية، ودعمت سوريا الأسد محاولة للانقلاب من قبل أنصار الأمير المخلوع. كانت الجزيرة ولا تزال من المؤيّدين الأكثر حماسة لحركة الإخوان المسلمين في مصر، وليس من قبيل الصدفة أن يقيم الداعية السنّي المتطرّف، يوسف القرضاوي، في قطر منذ سنوات الستينات.

سنعود للقرضاوي بعد قليل. ساعد الدعم القطري للهيئات والأنظمة المتطرّفة في العالم الإسلامي الإدارة في شرعنة العلاقات الوثيقة بالغرب في أعين الجماهير العربية. وإلا فكيف يمكن تفسير الحقيقة القائلة إنّ مصر تُهاجم كلّ يوم بسبب علاقتها المعقّدة مع واشنطن، بينما في قطر يتجوّل الجنود الأمريكيون وأديرت من أراضيها حرب الخليج (ولا نريد أن نتحدّث عن المليارات من الأموال الإسلامية التي صُرفت لشراء كأس العالم وعلى فرق كرة القدم الأوروبية) ومع ذلك، تعتبر القاهرة هي المتعاونة مع الولايات المتحدة وليس الدوحة.

ولكن قبل عام، صعد تميم بن حمد آل ثاني إلى الحكم، ووضع حدّا للتوازنات. منذ ذلك الحين أصبح التوجه القطري واحدًا. لا جدوى من التوازنات، وبخلاف والده، يعتبر تميم بن حمد آل ثاني مسلمًا متديّنا. يعتبره معارفه أنفسهم متطرّفا. قضى فترة شبابه في أسفار بأنحاء إفريقيا، والتي سعى من خلالها إلى دعوة سكان القارّة الوثنيّين للإسلام. المرجعية الدينية الرئيسية في حياته هي الشيخ المتطرّف القرضاوي.

بتأثير من القرضاوي، لا يرى آل ثاني جدوى كبيرة من التوازنات. وهو داعم متحمّس للإخوان المسلمين، لحماس، ومستعدّ للمواجهة مع مصر حيث إنّ الأخيرة تمنع نقل الأموال من قطر إلى القطاع. في الأيام التي تقطع قطر أيضًا المحادثات مع حماس بسبب دعمها للمعارضة السورية، بقيتْ قطر هي المموّل الوحيد لحماس، والتي تقيم قيادتها في الدوحة. إنّ المساعدة القطرية لغزة غير مخصّصة لبناء البنى التحتية أو الأنظمة التعليمية، وإنما لتمويل متطلّبات الإرهاب الكبيرة.

تشعر إسرائيل الآن بخطيئة إدخال كمّيات كبيرة من الإسمنت إلى القطاع، والتي من المفترض أنّها طُلبت لتنمية وإعادة إعمار غزة، وفي الواقع تمّ استخدامها لتعزيز أنفاق حماس الهجومية. تعتبر قطر أيضًا المصدر الرئيسي لرواتب وميزانية عتاد الجناح العسكري لحركة حماس.

ولنفهم إلى أيّة درجة أدّت قطر إلى تطرّف مواقف حماس، يكفي أن ندرس سلوك الممثّل الإيراني في غزة؛ الجهاد الإسلامي. تحوّلت حركة الجهاد الإسلامي، التي اعتُبرت في الماضي تنظيمًا أكثر تطرّفا، إلى الشخص الراشد المسؤول تقريبًا في غزة، والذي يقدّم مواقف أكثر براغماتية من حماس ويقبل الوساطة المصرية. بل قال زعيم الجهاد الإسلامي علنًا إنّ على مصر أنّ تقود الجهود للتوصّل إلى وقف إطلاق النار.

ولاكن تعترض حماس، بإيحاء من قطر. والذي يسمح بهذا التطرّف هو الولايات المتحدة. ما زالت قطر مرتبطة بوثيقة التأمين الأمريكية. ولكن الولايات المتحدة تجد صعوبة في استيعاب الاضطرابات في الشرق الأوسط، بل وأكثر من ذلك فإنّها تجد صعوبة في الردّ عليها بشكل صحيح وفي الوقت المناسب.

والنتيجة هي تآكل مستمرّ في الوضع الأمريكي. كشف مصدر مصري أمس الأول عن أنّ وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قد ألغى زيارة أخرى كان من المفترض أن يقوم بها في القاهرة، وأشار إلى أنّ هذه هي المرّة الثانية خلال أقلّ من أسبوع يؤجّل فيها زيارة مقرّرة في اللحظة الأخيرة.

سعتْ أمريكا، التي فقدت المرتكز المصري، إلى أن تكون ذات صلة في الأزمة الحالية، ولكنّ لا أحد – وخصوصًا حماس – يحتاج خدماتها. يقع وقف إطلاق النار في الملعب المصري، وليس في الدوحة ولا في أنقرة. وفي الوقت الراهن يبدو أنّ السيسي لا يرغب بالتدخّل الأمريكي في الأزمة، حتى لو وصل كيري في النهاية إلى
ما يمكننا أن نرى في ذلك جزءًا من عملية إعادة التأهيل التي تمرّرها واشنطن منذ الإطاحة بمرسي. إذا كانت الولايات المتحدة تريد استعادة مكانتها في المنطقة من جديد، فيجب أن تكون الخطوة الأولى هي حلّ المشكلة القطرية. آن الأوان لوضع عقود النفط والغاز جانبًا (هناك بدائل للقاعدة العسكرية).

إنّ قطر ليست الإمارة اللطيفة التي اشترت باريس سان جيرمان أو قميص برشلونة، وإنما عاصمة الإرهاب والتخريب. الدوحة هي المحرّك وراء الهجمات على حلفاء الولايات المتحدة الحقيقيين في المنطقة. وقد أعلنت كلّ من السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن قطر كدولة تهدّد أمنها.

يقول خبراء في الخليج إنّه سيأتي يوم قريبًا وستفقد السعودية صبرها فترسل إلى قطر لواءً من الجنود، كما فعلت في البحرين، رغم احتجاج واشنطن. وحينها ستقف الولايات المتحدة أمام معضلة حقيقية، ولكن قد يكون ذلك متأخّرًا جدّا. يجب تفكيك القنبلة القطرية الآن.

السابق
الاسير: خائن لله كل من يشارك نصرالله وحزبه بعد كل الجرائم التي ارتكبوها
التالي
حرب أهلية عربية على خلفية حرب غزّة