المعركة

تعترف إسرائيل بـ27 قتيلا من جنودها (و»مفقود» كما تسمي الجندي الأسير، وهي تفضله ميتاً)، مقابل 566 فلسطينياً سقطوا في الأسابيع الثلاثة التي مضت منذ بدء عدوانها.

يبتهج الفلسطينيون، على الرغم من اختلال الرقم. عيّدوا قبل العيد حين أسر الجندي وحين سقط أحد صواريخهم في ضاحية تل ابيب وجرح خمساً. زغردوا من قلب ركام يشبه مشاهد من نهاية العالم. فرحوا ليس لأنهم يعتقدون أن قتلى إسرائيل أكثر من ذلك بكثير ـ وفق ما يلمِّح إليه أكثر من صحافي إسرائيلي، ووفق منطق الأشياء أيضاً، حيث نتج عن التورط الميداني للدبابات الإسرائيلية في غزة إصابات مباشرة لها يدرك معناها حتى من لم يكن خبيراً ـ بل لأنهم يعرفون أن المعركة لا تُحسب وفق هذا المنطق. لا يمكن لإسرائيل ولا لحلفائها أن يفهموا سر هذا الفرح. يردّونه إلى السذاجة أو البدائية. أو يقنعون أنفسهم بأن الإنسان الفلسطيني، وإنساننا عموماً، اقل قيمة بنظرنا. وأننا نستسهل الموت. أبداً.

بل لأننا نعرف أن الاختلال قائم في الأصل، في صيغة الوضع العالمي والإقليمي وحتى المحلي الفلسطيني، (وبصدد الأخير، فيكفي أن أبو مازن يعتبر نفسه.. وسيطاً!). أما الإضافة/المفارقة التي يقدمها اليوم صبر غزة وصمودها، علاوة على مقاومتها، فهي أنها تذكّر بحبة الرمل التي تعيق دوران الآلة. كان يفترض ألاّ يحدث. هُندس كل شيء لتقع سطوة ما يسمى «الواقع». صُنع الواقع نفسه من مزيج من إفقار الناس (حد البؤس)، وقمعهم (حد طغيان الاعتباط)، وتيئيسهم (بإشاعة قيم ملتوية). كان يفترض أنهم هُيئوا ليكونوا عبيداً صاغرين. ومن امتلك بعض المقومات دُعي ليكون من «الشطار»، أي لينتمي الى شريحة الطغاة على اختلاف أنواعها ودرجاتها… سوى أنه ما زالت أنابيب الغاز المصري (شبه المجاني) المتجهة إلى إسرائيل تُفجّر في سيناء، بل ما زال من يرى نفسه «شديد المسالمة» يرمي وروداً في المتوسط من كل جهاته عساها تصل شاطئ غزة.. وما زال السيد نصر الله يتصل بمشعل وشلح متضامناً و«مستعداً للمساعدة» رغم صناعة الصراع السني ـ الشيعي ليُعمي على سواه… آلاف الأمثلة، من الناصرة في قلب أراضي 1948 إلى العالم كله: وغزّة هي اليوم تجسيد هذا النبض الحي!

السابق
مشعل ـ نصرالله
التالي
بين «أفيخاي أدرعي» والعرب: غرام وانتقام