هل من حلّ لوقف الارهاب في لبنان؟

على الرّغم من مطالبة المجتمع المدني والجمعيّات الحقوقيّة باحترام حقوق الإنسان، وخصوصًا حقّه في الحياة، وتطبيق المواثيق الدوليّة التي وقّع عليها لبنان مع انتقال هذه الحقوق إلى سلّم الأولويات الدوليّة منذ تسعينات القرن الماضي.

من المعروف أنّ للبنان وضعاً خاصاً ينبثق من التركيبة المجتمعيّة الطائفيّة التي تحكمه وتتحكّم في كل أوردة الحياة فيه، والقائمة على العصبيّة والمناطقيّة والتمسّك بالخصوصيّات. تناهض المسيحيّة الإعدام باعتبار أنّ الإنسان يتمتع بكرامة فريدة وجوهريّة لا يجوز نزعها عنه لأي سبب كان، إضافة إلى الإيمان بإمكانيّة توبته عن كل أخطائه. أما الإسلام فيجيز الإعدام في ثلاث حالات حصرًا هي: النفس بالنفس أي قتل من ارتكب جريمة قتل، الردّة بعد إيمان أي الرجوع عن اعتناق الدين الإسلامي، والزنا.

إلى ذلك، يشهد لبنان محاولات لإلغاء عقوبة الإعدام، سواء من خلال عمل لجنة حقوق الإنسان النيابيّة منذ بداية الألفية الجديدة واستبدالها بعقوبة الأشغال الشّاقة المؤبّدة، أو من خلال مشاريع القوانين التي وصلت إلى المجلس النيابي ورئاسة مجلس الوزراء، لكن لبنان عمد إلى تجميد تطبيق هذه العقوبة من دون إلغائها لاعتبارات سياسيّة وطائفيّة.

أعيدوا دماء أحبائنا
في المقابل، تبرز بين الحين والآخر مناشدات لتطبيق عقوبة الإعدام نظرًا لما يُرتكب من جرائم تراوح بين اغتصاب القصّر أو إثارة النعرات الطائفيّة والتعرّض للجيش وارتكاب أعمال إرهابيّة، وهو ما يؤكّد عليه محمد الجوهري، شقيق ماريا الجوهري، التي قضت بفعل التفجير الإرهابي الذي ضرب منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبيّة في كانون الثاني الماضي.

ويقول محمد لـ”النهار” : “في حال كُشفت هوية المحرّض على تنفيذ هذا التفجير الانتحاري، سأطالب بإعدامه. فسجنه لا يحقّق العدالة خصوصًا أنّ بلدنا مشهود له بالمحسوبيّات، وهو إمّا سيكرّم في سجنه أو يخرج منه. الإعدام ضروري لردعهم لأنّ عدد العقول المدبّرة لعمليات مشابهة سيقل، وهو ما سيكسب الأجهزة وقتًا لجلب معلومات حولها والقضاء عليها قبل تحرّكها. نريد عدالة تردّ لنا القليل من حقّنا وتعوّض لنا جزءًا من خسارتنا التي لا تعوّض. نريد قضاءً متشدّدًا مع المجرمين والإرهابيين”.

دواعي الإلغاء أكثر رجاحة من التطبيق
أمام إثارة النعرات الطائفيّة وتنامي موجة الإرهاب والأصوليّة في لبنان، اللذين يُعتبران من أبرز الحجج المتّخذة للدعوة إلى تطبيق عقوبة الإعدام مجدّدًا، يبقى السؤال واردًا عن الأسباب الموجبة للمضي في تطبيق هذه العقوبة التي ينصّ عليها القانون اللبناني أو السير قدمًا نحو إلغائها بدل تجميدها. النائب اللبناني وعضو لجنة حقوق الإنسان النيابيّة، غسّان مخيبر قال في حديث لـ”النهار” : “لبنان في حالة من التوقّف الطوعيّ عن تنفيذ أحكام الإعدام منذ حوالى عشر سنوات. وانقضاء هذه الفترة يعدّ من المعايير الدوليّة للانكفاء الكليّ عنها. أما أسباب هذا التوقف فتعود أوّلا إلى شبه قناعة لدى وزراء العدل المتعاقبين بعدم ضرورة اعتماد هذا الإجراء باعتبار أنّه لا يردع الجريمة. ثانيًا إلى توافر جوّ إيجابي لإلغاء هذه العقوبة منذ عام 2002 في مجلس النواب بدليل توقيع عدد منهم قوانين تدعو لإلغاء عقوبة الإعدام. ثالثًا وجود نزعة لدى المجتمع المدني والأحزاب والجمعيّات منذ عشر سنوات لإلغاء هذه العقوبة، إضافة إلى الضغط الدوليّ الجديّ المُمارس من الإتحاد الأوروبي لتبني الإلغاء وإطلاق توصيات في هذا السياق”.

الإعدام ونسبة الجريمة
أمّا عن المطالبات الدائمة الداعية إلى تطبيق العقوبة، فيرى مخيبر أنّها تكثر مع ارتكاب أي جريمة شنيعة بحقّ فتيات أو أطفال لأنّ القانون اللبنانيّ ينصّ عليها. لكنه يستبعد العودة إلى تطبيق الإعدام المعلّق منذ عشر سنوات.

وفي وقت يرى البعض أنّ تطبيق الإعدام ضروريّ لتخفيف عدد الجرائم وخصوصًا تلك المرتكبة بحقّ الجيش اللبنانيّ وعناصر الأمن، ليكون الجاني عبرة لمن يعتبر، يردّ مخيبر : “تنفيذ الإعدام لا يردع ارتكاب الجريمة، وخصوصًا بالنسبة لذوي العقيدة الأصوليّة الذين لا يخشون الموت بل يتوقون إليه، إضافة إلى أنّ عدم تنفيذ عقوبة الإعدام لا يعني منع العقاب، لأنّ العقاب الأقسى هو الإحتجاز مدى الحياة في السجن وهذه عدالة سريعة وفعّالة ومتطوّرة، إضافة إلى كونها خطوة جريئة اتخذها المشرّع على عاتقه وأرفقها بشروط قاسية بما فيها عفو ذوي الضحية عن إعدام الجاني”.

الإعدام يرمي لبنان في دائرة الإرهاب؟
بعد تهديد القيادي في كتائب عبدالله عزّام – المصنّفة إرهابيّة والتابعة لتنظيم القاعدة – سراج الدين زريقات بتحرير السجناء الإسلاميين في سجن رومية ووزارة الدفاع بسبب أحكام الإعدام الصادرة بحقّهم، وبسبب الإجحاف بحقّ أهل السنّة دون غيرهم بحسب تصريحه، يجد البعض أنّ تطبيق عقوبة الإعدام تضع لبنان في مرمى الإرهاب فيما يرى آخرون أنّ تنفيذها يخفّف من الأعباء الملقاة على السجون اللبنانيّة في ظلّ غياب أي خطّة جديّة لتحسينها وتأهيلها، ونظرًا للخطر الذي يشكّله هؤلاء على غيرهم من السجناء وبسبب نفوذهم القويّ وحمايتهم سياسيًا، يردّ مخيبر : “لبنان مستهدف من الإرهابيين مع وجود هذه العقوبة ومن دونها. إنّهم يتخذون منها ذريعة لأنّهم يريدون إخراج هؤلاء من السجون وليس إلغاء عقوبة الإعدام الصّادرة بحقّهم، علمًا أنّ العمل الإرهابي مرفوض بكلّ وجوهه. لكن، وعلى الرغم من ذلك، يبقى تنفيذ هذه العقوبة بمثابة مجرزة لأنّ هناك أحكاماً صادرة، فيما المطلوب تطبيق العدالة الصحيحة والفعّالة”.

ويرى مخيبر أنّ هناك ارتباطاً، ولو بسيط، بين تحسين أوضاع السجون وتأهيل المساجين، والمضي قدمًا نحو تبني قانون يرتقي بلبنان في ما يخصّ ملف الإعدام، ذلك أنّ السجن يحمي المجتمع من المجرم شرط أنّ تكون البيئة مناسبة لإعادة تأهيله، لأنّ تطوير السجون هو إحدى حلقات العدالة. ويضيف مخيبر : “هناك جديّة للتعامل مع ملف السجون على صعيد الإرادة السياسيّة، ولو لم نصل بعد إلى خطّة جذريّة بسبب البطء في التنفيذ”.

وقائع وأرقام
يشار إلى أنّ لبنان شرّع عقوبة الإعدام عام 1943 من خلال المادة 43 من قانون العقوبات. أمّا أشهر حكم بالإعدام فقد نفّذ بحقّ مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة في تموز (يوليو) 1949 بعد محاكمة ليليّة لم تتجاوز ساعات معدودة.

نفّذت عقوبة الإعدام 55 مرّة في تاريخ لبنان، 23 في عهد الرئيس بشارة الخوري، 6 مرّات في عهد الرئيس كميل شمعون، 4 مرّات في عهد الرئيس فؤاد شهاب، 4 مرّات في عهد الرئيس سليمان فرنجيه، مرّة في عهد الرئيس أمين الجميل، 14 مرّة في عهد الرئيس الياس الهراوي، و3 مرّات في عهد الرئيس أميل لحود. كما نفّذت بطريقة غير رسميّة إبّان الحرب اللبنانيّة من الميليشيات التي تقاسمت النفوذ في المناطق.

أمّا الجرائم المرتكبة وأجازت الإعدام فكانت القتل العمد، ومحاولة القتل، والتعامل مع إسرائيل، والإرهاب والجرائم الواقعة على عناصر أمن الدولة، وإثارة الفتن والنعرات والطائفيّة.

يذكر أنّ الحملة الوطنيّة لإلغاء عقوبة الإعدام إنطلقت عام 1998، ونجحت بعد ثلاث سنوات في إلغاء القانون 302 العائد إلى عام 1959 وينصّ على أنّ “القاتل يُقتل” من دون أن يسمح بأية أحكام مخفّفة. وصدر عام 2011 القانون رقم 183 الذي عدّل القانون رقم 463 ونصّ على التالي : “المحكوم عليهم بالإعدام وقضوا 30 سنة في الاعتقال وتوافرت فيهم سائر الشروط العامّة، يستفيدون من تخفيض عقوبتهم، على أنّ لا يقلّ إجمالي العقوبة المخفّضة تنفيذها عن 35 سنة وألّا تزيد على أربعين سنة”.

أمّا تاريخ تنفيذ آخر عقوبة إعدام في لبنان فكان عام 2004، وهناك اليوم حوالى 66 حكمًا بالإعدام : 53 منهم نهائيون ويطالون 45 من ضمنهم إمرأتان بتهمة القتل العمد والإرهاب وغيرها، و8 متهمين بالتعامل مع العدو. و13 منهم صادرة بحقهم عقوبة الإعدام ومازالو يحاكمون على جرائم أخرى. علمًا أنّ 26 حكمًا اتخذت قبل عام 2010، 5 في عام 2010، 8 في عام 2011، 4 في عام 2012، 8 في عام 2013، و2 في عام 2014.

السابق
بالفيديو: غلطة كيري بألف
التالي
أمير قبائل العبيد العربية السنية: نسفوا بيتي لأني رفضت قتل الشيعة