طرابلس أسيرة سوريا: تسأل عن حزب الله والإرهاب

طرابلس

لا تبدو طرابلس قادرة على تحييد نفسها عمّا يحدث في البلد الشقيق، ولا يبدو الإسلاميون راضين عن سير الأمور. بعضهم يعتبر أنّ المشايخ في المدينة يتعرضون لحملة ممنهجة من الدولة او أنّهم ضحية للصراع بين الأجهزة الأمنية الّتي تريد ان تسجّل “أهدافاً” في مرمى أحدها الآخر عبرهم. مدينة ينأى اهلها بأنفسهم عن ذنوبها ويفضلون الاستمرار في حصر اللوم بـ”بشار الأسد” و”حزب الله”. مدينة لم يتوقف جرحها عن النزف. كل ما حدث أنّ الجمر بات  ينتظر تحت الرماد. وفي ظلّ شحّ الماء في هذه البلاد، يبدو الاحتراق محتّماً، إن لم يكن بالمعارك، فبالإهمال.

 

ليست طرابلس مدينة تلفظ أبناءها خارجاً ولا هي هذا “البعبع” الّذي نراه في الإعلام. إنّها مدينة، كجميع المدن، ليست وحدها سيّدة نفسها، بل نتاج من عليها من مسؤولين وسكّان وزوّار. إنّها نواة المتعبين، تبعثرهم في الهواء “الضال” وفي بحثهم عن الأمان.
لا أمان هنا، لا أمان بمعنى الأمن ولا أمان بمعنى الأمان الاقتصادي والاجتماعي. فرص العمل تبدو معدومة والنوايا والوعود لتشغيل المرافق الأساسية في طرابلس تبقى مجرد “كلام في كلام”. أمام كلّ هذه المشاهد، ينخرط بعض أهل المدينة في الانجرار وراء الطائفية، كملاذ وحيد للخلاص من بؤسهم. لكن البعض الآخر يسأل: ماذا بعد؟
لم ينم ليل السبت أهالي المنطقة المحيطة بالـ”سيتي كومبلكس”، مجمّع تجاري كان في يومٍ من الأيّام يضج بالحياة ونبض المدينة. وفي المنطقة الآمنة نسبياً، اضطر السكّان أن يغلقوا أبوابهم بإحكام، ليلجأ البعض منهم إلى الأروقة في انتظار ما سيحدث.
كانت المواجهة بين الجيش ومنذر الحسن صعبة وطويلة. البعض تفاجأ بأنّ هذا الشخص تحديداً موجود في المبنى الّذين كانوا يقيمون، هم، فيه أو قربه. هم لم يعرفوا من هو هذا الجار من قبل. المنزل الّذي تمت مداهمة الحسن فيه هو منزل عمّته، وربما لجأ إليه كونه يقع في منطقة لا شكوك حولها.
لكنّ أحد سكّان المبنى، الّذي فضّل أن يعرّف نفسه بـ”أبو أحمد”، أبدى استياءه من الجارة الّتي تستّرت على ابن أخيها: “لم ننم تلك اللّيلة، زوجتي وأولادي شعروا بالخوف طوال اللّيل… الدني رمضان، ما رح نخلص”.
ويستمر الجار متسائلاً: “لماذا لم يعتقلوا العمّة؟ لماذا لم يقوموا بخطوة من هذا النوع؟ هل ينتظرونها لكي تستقبل زوّاراً جدد؟ أنا لا أذمّ بجارتي، لكن أرفض أيضاً ان أعيش وسط مبانٍ تتحوّل إلى بؤر أمنية”.
يختلف نبض أحد روّاد المقهى الواقع في أوّل الشارع الّذي يقود إلى “سيتي كومبلكس”. إذ يقول حسن طبّال إنّ الأجهزة الأمنية والمسؤولون الّذين وعدوا بأن تترافق الخطة الأمنية مع خطوات إنمائية واضحة، لم يفوا بوعهودهم. “راكضين يلقطوهم وما عم يفكروا ليش هالناس بتعمل هيك… يأمنولهم وظائف”، يقول وهو ينفث الدخان من سيجارته.
لكن سرعان ما يقاطعه أحد الجالسين، محتدّاً: “بتزعل عليهم هول؟”. ينتقل الحديث إلى منذر الحسن ومقتل شقيقيه في سوريا، ويبدأ الجدال حول أحقية شباب طرابلس بالتوجّه إلى القتال في سوريا. وفي احتدام النقاش، يقول طبال: “لماذا لا يذهبون إلى الضاحية الجنوبية ليلقوا القبض على المقاتلين في سوريا، أليس هذا إرهاباً أيضاً؟”.
لا تبدو طرابلس قادرة على تحييد نفسها ممّا يحدث في البلد الشقيق، ولا يبدو الإسلاميون راضين عن سير الأمور. بعضهم يعتبر أنّ المشايخ في المدينة يتعرضون لحملة ممنهجة من الدولة او أنّهم ضحية للصراع بين الأجهزة الأمنية الّتي تريد ان تسجّل “أهدافاً” في مرمى أحدها الآخر عبرهم. البعض الآخر يذهب بالتحليل إلى ربط ما يجري بمعارك القلمون السورية. “ما قادر حزب الله يربح هونيك وعم يرحله قتلى وجرحى، اجا يفش خلقوا هون”، يقول أحدهم في عبارة تبدو كأنّها تسليم بأنّ حزب الله هو الدولة وأجهزتها.
هذه هي الصورة في المدينة. مدينة ينأى اهلها بأنفسهم عن ذنوبها ويفضلون الاستمرار في حصر اللوم بـ”بشار الأسد” و”حزب الله”. مدينة لم يتوقف جرحها عن النزف. كل ما حدث أنّ الجمر بات ينتظر تحت الرماد. وفي ظلّ شحّ الماء في هذه البلاد، يبدو الاحتراق محتّماً، إن لم يكن بالمعارك، فبالإهمال.

السابق
المكتب الإعلامي للرئيس سعد رفيق الحريري: اتقوا الله
التالي
السيد هاني فحص: تهجير مسيحيي الموصل نكبة إنسانية