سباق ضد الزمن

ليلة الجمعة أمر رئيس الأركان الجيش بتسريع الخطوات للانتقال إلى المرحلة البرية الثانية. معنى ذلك إدخال قوات الاحتياط من الألوية المحاربة في عملية تدريب مكثفة استعدادا للعمل في القطاع، سواء إن كان يجب استبدال القوات النظامية العاملة من ليلة الخميس، أو من أجل تعزيز القوات الحالية لتعميق السيطرة الميدانية.

ورغم أن وزير الدفاع لم يحدد زمنا للمرحلة البرية الأولى، واضح للجيش أنه خلال يوم أو يومين سيحدث تحرك سياسي في ظل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة. والمرة السابقة زار للتوسط في «عمود السحاب»، ورمزت زيارته لبداية نهاية القتال. لهذا يفترض أن الجيش ينتظر وسط الأسبوع حيث سيتخذ القرار بشأن وقف النار. حتى ذلك الحين إذا لم تقع كارثة في الجانبين، سيستمر القتال بالوتائر الحالية.
وسيستغل الجيش الأيام القريبة لتفجير الأنفاق، وتحقيق الشاباك مع المعتقلين ومحاولة التعرف الى أنفاق أخرى والاحتكاك إلى أقصى حد برجال حماس لجباية ثمن باهظ أكثر منهم. فالخطوة البرية خلقت واقع سيطرة الجيش على قطاع غير متواصل بعمق مختلف في مقاطع على طول الحدود. حتى الآن تم اكتشاف 13 نفقا و34 فتحة نفق والتقدير بأن هذا طرف جبل الجليد. إذ تبين أنه بنيت قرب الحدود شبكة متشعبة من مدينة أنفاق. قسم من الأنفاق المكتشفة يعمل منذ خمس سنوات على الأقل. قسم منها مرتبط ببعضه ويسمح بانتقال قوات. أخرى تمتد إلى داخل إسرائيل. هناك أنفاق متفجرة وأخرى لخدمة «القوات الخاصة» في حماس المدربة على العمل الهجومي داخل إسرائيل.
إن فقدان حماس لهذه الذخائر الاستراتيجية التي تفجر عند اكتشافها تضر بقدرة حماس العملياتية والردعية. فالأنفاق لا يمكن تهريبها. ينبغي حفرها. وهذا عمل سري يحتاج إلى سنوات وتكلفة وقت وموارد.
وداخل المنطقة العازلة التي أنشأها الجيش في غلاف غزة هناك استعداد لهجمات ينفذها المخربون من أنفاق لم تكتشف بعد. أمس نفذوا عمليتين كهذه داخل إسرائيل. الأولى كانت فتاكة وأدت لمقتل جنديين من المدرعات. الثانية انتهت بقتل المخربين. ويحتشد الجيش بأعداد كبيرة لذلك هو معرض للإصابة. وهذا تحد عملياتي للقادة: منع وقوع الجنود في الروتين وعدم الجمود في مكان لفترة طويلة. لذلك هناك حماية نارية جوية ومدرعة وستار دخاني.
ومرحلة القتال الثانية ـ المعدة لزيادة الضغط في الجبهة السياسية – يمكن أن تشمل إدخال قوات إضافية لتوسيع المنطقة العازلة، أو حتى العمل بشكل أكثر إثارة. حتى الآن سلسلة الروافع التي استخدمها المصريون سياسيا وإسرائيل عسكريا، قادت إلى نتيجة مهمة: خالد مشعل تخلى عن المبادرة القطرية التركية التي حالت حتى الآن دون وقف النار من يوم الثلاثاء. فقد تبين أن القطريين وعدوا مشعل ليس فقط بتعزيز حكم حماس في غزة وإنما بتحويل غزة برعاية قطرية وتركية إلى مونت كارلو الشرق الأوسط. ولا عجب ان رفض المبادرة المصرية التي لا تقدم إلا وقف النار. لكن داخل القطاع تعرض لانتقادات شديدة: غضب الذراع العسكري والسياسي لأنه قوض وقف النار وتسبب بخسائر أكبر في الأرواح والذخائر الاستراتيجية.
وكان الأميركيون أول من تراجع عن المبادرة القطرية، وهم يتمسكون بالوساطة المصرية. وبعد أن أفاق نائب مشعل في القاهرة، أبو مرزوق من المبادرة القطرية طلب من المخابرات المصرية البحث معهم في شروط وقف النار. وهذا سمح للمصريين أن يشرحوا لرجال حماس ما يمكنهم وما لا يمكنهم الحصول عليه. مصر تريد أولا وقف نار، وبعدها تبحث الشروط.
في هذه الأثناء إسرائيل لا تشارك بفعالية في المفاوضات. فقط بعد أن تلين حماس يمكن دخول اللعبة الدبلوماسية. مع ذلك يعرب إسرائيليون عن دعمهم لإشراك أبي مازن في المفاوضات لوقف النار. ولم تعد إسرائيل تتحدث عن أهمية الفصل بين غزة والضفة، ولا تعرب عن معارضة لتولي «قوات دايتون» السيطرة على معبر رفح ومحور فيلادلفي.
وفي هذه الأثناء هناك فرار جماعي لعشرات ألوف السكان في غزة إلى منشآت الأمم المتحدة بهدف تجنب النار الإسرائيلية. وتراجعت وتيرة الإطلاقات الصاروخية من 150 إلى 11 أمس. لكن من السابق لأوانه الحديث عن ضربة جوهرية للمنظومة الصاروخية لحماس. كل ما يريده الجيش هو اتمام الخطوة العسكرية السياسية ودفع حماس لقبول وقف النار بشروط مريحة لإسرائيل وهذا يتطلب وقتا.

 

السابق
رمضان في حياة الطوائف الاخرى
التالي
عساف يساند غزة