إيران: التصالح بـ«النهج الحسني»؟

الشيخ هاشمي رفسنجاني

صُنعُ التاريخ، كما أراد وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، لن يتم. لأنه يتطلب “قرارات سياسية صعبة، وخصوصاً وان المفاوضات معقدة وصعبة”، كما أشار رئيس الوفد الأميركي بيل بيرنز. وبعيداً عن التعقيدات التقنية والفنية، لم ينجح الإيرانيون ولا الأميركيون في بناء جسور الثقة رغم كل الجلسات الماراثونية في فيينا، والعزف المتواصل على ضرورة التوصل الى اتفاق، إذ كيف يرقص الراقصون “الفالس” والثقة مفقودة؟ وهي الرقصة التي لا تنجح وتتجسد روعتها إلا بالتناغم التام بين الراقصين. النتيجة أن المفاوضات للتوقيع على الاتفاق النهائي حول الملف النووي مددت بين ثلاثة وستة أشهر، أي حتى نهاية العام ٢٠١٤.

توجد ثغرات كثيرة غامضة في مسارات المفاوضات، منها ما هو إيراني داخلي، وأبرزها تساؤل هام عن إعلان المرشد، بدون علم المفاوضين، أي الوزير ظريف، عن حاجة ايران الى ١٩٠ ألف وحدة عمل فاصلة لتشغيل محطاتها النووية، التي تعادل عشرين ألف جهاز طرد مركزي، في وقت يريد الأميركيون تخفيضها إلى ثلاثة آلاف جهاز. ولماذا أرسل الرئيس حسن روحاني شقيقه إلى فيينا لمتابعة المفاوضات ونقل ما يجري له مباشرة؟ رغم ذلك فإن السؤال هو ماذا بعد فيينا؟

تمديد المفاوضات يعني حكماً تمديد العقوبات وتشديدها، وبالتالي تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ مثلاً لن يجروء أي مصرف في العالم على القفز فوق “الأسلاك الشائكة” من الملاحقات بعدما نفذ مصرف “بي ان بي” الفرنسي، حكماً قضائياً أميركياً بدفع حوالي تسعة مليارات دولار، عقوبة له على تعامله مداورة مع ايران. الأسوأ أن روحاني لن يتمكن من تنفيذ وعوده بتحسين الوضع المعيشي للإيرانيين وتحريك عجلة الاقتصاد لتخفيض البطالة والتضخم.

لن تمر كل هذه النتائج بسهولة، وخصوصاً وأن المحافظين المتشددين ما زالوا يتابعون شحذ “سكاكينهم الطويلة” للثأر من روحاني والمعتدلين على طريق اقتلاع الإصلاحيين. هاشمي رفسنجاني الذي يتابع دوره في حماية “ظهر” روحاني، تمهيداً للثأر النهائي من “توأمه” اللدود، المرشد آية الله علي خامنئي، قام بهجوم استباقي على طريقته الدقيقة الخارجة من الشعار الايراني “الذبح بالقطنة”. فقال “إن أقلية تتمنى فشل المفاوضات لإثارة المشاكل للحكومة وإفشال مشاريعها للتنمية. هذه الأقلية تنسب نفسها إلى المرشد”.

يأتي كل ذلك في وقت بدأت فيه القيادة الايرانية تشعر فيه بدقة الوضع والمخاطر الجديدة التي تتناول “أمنها القومي” مباشرة، ذلك أن أحداث العراق ليست مشكلة محصورة في العراق فقط، فالعراق تاريخياً هو “الخاصرة الرخوة” لإيران. وقد فهمت طهران بسرعة أن العراق بالنسبة لها هو كما أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا، لا بل أخطر، وخصوصاً بعد تكشف هدف الأكراد في استقلال كردستان.

وإذا كانت طهران قد تجنبت التصعيد مع رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برازاني رسمياً، في ظل المواجهة مع “داعش” ومحاولتها العمل يداً بيد مع واشنطن في الحرب ضدها، فإن تسريبات مبرمجة أكدت حجم قلقها العميق. فقد جاء في مقالة لأستاذ العلاقات الدولية، علي أوميد “إن كردستان المستقلة تهديد وجودي للجمهورية الإسلامية… مثل هذه الدولة الفاشلة تفاقم الإخطار الأمنية على حدود إيران”.

يبقى أن الجمهورية الإسلامية في إيران تعمل بجدية وبراعة لتمرير خطاب “آيديولوجي” يناقض مساراتها كلها، ويهيئ رغم كل التمنع الحاضر، لإحداث تغيير حقيقي وعميق وان كان ببطء ودقة. هذه الجمهورية التي اعتمدت “النهج الحسيني الاستشهادي” منذ قامت حتى اليوم، بدأت تتحدث بإعجاب عن النهج “الحسني التصالحي”. فبمناسبة ولادة الإمام الحسن المجتبى، نشرت وكالة “فارس” القريبة من “الحرس الثوري” تقريراً من عشر صفحات، من خلاصاته التحليلية، أن الأمام الحسن “اضطر إلى مصالحة معاوية، أو أن يقتل مع أهل بيته وشيعته المخلصين في معركة غير متكافئة”، كما “أن الصلح هو أمر من الله تعالى، ويجب على الشيعة امتثاله وطاعته”.

السابق
النهار: الحريري يطرح خريطة الحماية بأولوية انتخاب الرئيس
التالي
لبنان ينجو من مجزرة تاريخية كبيرة: هكذا تم احباط عملية ليلة القدر!