أميركا بحاجة لمناقشة مفهوم استخدام القوة

هل كانت حرب العراق الخطأ الاستراتيجي الأكبر خلال العقود الأخيرة، كما قال بعض المنتقدين أخيراً؟ الإجابة البسيطة على ذلك هي لا. إذ ينسب ذلك إلى الإخفاقات في اتخاذ خطوات ضد تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن قبل الهجمات التي أودت بحياة نحو 3 آلاف أميركي على التراب الأميركي في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وإذا رجع المرء عدة عقود إلى الوراء فهو الفشل في إيقاف هتلر في أوروبا وتجنب الحرب مع اليابان. إنها إخفاقات تتضاءل أمامها حربا العراق وفيتنام من حيث النتائج المأساوية والخسائر في الأرواح والأموال. وهنا يكمن اللغز. يأتي أحد أنواع الخطأ من فعل الكثير واستخدام القوة بأسرع مما يجب، أو بتهور أو كما هو الحال عادة استخدام القوة بعدم كفاءة. وقد يأتي الخطأ الآخر من فعل القليل للغاية، وعدم استخدام القوة الكافية بسرعة تكفي لإزالة أو تجنب التهديد قبل وقوعه، أو من الأمل في أن يكون هناك بديل للقوة حتى يفوت الوقت للتصرف بفاعلية.
كما يجب ألا يكون مفاجئاً أن يؤدي نوع الخطأ الأول إلى الخطأ الثاني. درس 11 سبتمبر بالنسبة لكثيرين ممن عاشوه هو أن السلبية في وجه التهديدات كانت خطيرة. يفسر ذلك التفكير بتأكيد قيام إدارة الرئيس جورج بوش بما قامت به في العراق، كما يفسر دعم 77 نائباً بمجلس الشيوخ لتلك الأعمال مع أغلبية من الديمقراطيين، عندما وافقوا على استخدام القوة في أكتوبر (تشرين الأول) 2002.
لقد عبر النائب جوزيف بايدن عن وجهة النظر العامة ذلك الوقت، وهي أنه إن أطلق العنان لصدام حسين، فإنه سيشكل «تهديداً حتمياً»، وكان السؤال الوحيد هو «ما إن كان يجب التعامل مع ذلك الآن، أم الانتظار لعام أو عامين أو ثلاثة». وأدت الدروس المستفادة بالمثل بعد السلبية العالمية للولايات المتحدة خلال الثلاثينات إلى النشاط العالمي، بهدف التغيير والذي كان مفرطاً في بعض الأحيان، خلال فترة الحرب الباردة.
يمكن القول كما يقول المؤرخون والمحللون إن البندول يميل بعيداً أكثر في الحالتين، وأن الشعور بالرضا والقنوع يؤدي إلى البارانويا (جنون العظمة) والنشاط بهدف التغيير. وهذه من صميم الانتقادات التي كالها جورج كينان وغيره للولايات المتحدة عبر السنوات. في اتجاه إلى ميل البندول من أقصى ناحية إلى أقصى ناحية أخرى. والسؤال الآن هو ما إذا كان البندول قد مال ميلاً شديداً إلى الناحية الأخرى، وما إذا كانت الاستجابة لما يرى الكثيرون أنه استخدام مفرط للقوة سيكون إنكارا تاما للقوة.
قد ينادي البعض بأن على الولايات المتحدة الاتجاه إلى أسلوب أكثر تقليدية في استخدام القوة، ربما بافتراض أن العقد الأخير كان غير عادي. في الواقع وظفت الولايات المتحدة القوة كوسيلة للسياسة كثيراً للغاية لأكثر من قرن.
يختلف الأمر بحسب الطريقة التي يختار أن يحسب بها المرء، ولكن الولايات المتحدة قامت بنحو 26 تدخلاً مسلحاً منذ 1898 في نصف الكرة الغربي وآسيا وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط الكبرى: من كوبا والفلبين وحتى الخليج العربي خلال التسعينات من القرن التاسع عشر، وهاييتي والبلقان بعد قرن من ذلك ثم العراق وأفغانستان خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
أما إن شمل العدد عمليات نشر أعداد قليلة من القوات وعمليات الأسطول وسلاح الجو الأميركي، مثل قصف الرئيس رونالد ريغان لليبيا، وحملة الرئيس كلينتون الجوية لمدة أربعة أيام ضد العراق عام 1998 أو ما قام به الرئيس أوباما في ليبيا، فإن العدد يبلغ ستة أضعاف ذلك على الأقل. ولا يشمل ذلك العمليات السرية من نوع ما أمر به الرئيس دويت آيزنهاور ضد جاكوبو أربينز في غواتيمالا ومحمد مصدق في إيران، أو التهديد بالهجوم النووي ضد الأمم المتمردة، وتلك أداة مفضلة أخرى للرئيس آيزنهاور. وبحساب التدخلات الكبرى فقط التي شملت جنوداً على الأرض قامت الولايات المتحدة بالتدخل بمتوسط كل أربع سنوات ونصف منذ عام 1898. وبصورة عامة انخرطت الولايات المتحدة في قتال في مكان ما في العالم في 52 سنة من مجموع 116 سنة مضت، أي 45 في المائة من الوقت. وازداد معدل تدخلات الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة بمعدل تدخل واحد تقريباً كل ثلاث سنوات ومع تدخل القوات الأميركية أو اشتراكها في قتال في 19 سنة من الـ25 سنة الماضية، أو لأكثر من 75 في المائة من الوقت منذ سقوط جدار برلين.
كما لم يختلف الأمر باختلاف الإدارات الجمهورية والديمقراطية، أو بادعاء الرؤساء أنهم «ليبراليون دوليون» مثل كلينتون، أو «واقعيون» مثل جورج بوش، الذي أمر بثلاثة تدخلات عسكرية خلال فترة رئاسته التي امتدت إلى أربع سنوات.
فهل على الولايات المتحدة العودة إلى ذلك المعيار أم تركه؟ ومن السهل أن يشير المرء إلى الحالات التي لم يحقق فيها التدخل أهدافه والحالات التي ربما كان من الأفضل فيها عدم اللجوء إليه. ولكن في حالات أخرى كان التدخل فاعلاً، وأحيانا أكثر فاعلية مما بدا حينها.
عندما انتهت الحرب الكورية كان قليل من الأميركان هم من اعتبروها نجاحاً، لكن الحيوية الاقتصادية والسياسية الرائعة لكوريا الجنوبية اليوم، ودورها كحليف رئيس للولايات المتحدة تنبع من «تلك الحرب المنسية».
من وجهة نظري أن رغبة الولايات المتحدة في استخدام القوة للدفاع عن مصالحها ونظام العالم الليبرالي، كانت جزءاً جوهرياً ولا مفر منه في سبيل الحفاظ على ذلك النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهي جزء جوهري أيضا من الدبلوماسية الفاعلة. وكما علق جورج شولتز عندما كان وزيراً للخارجية «تسير القوة والدبلوماسية دائما بجانب بعضهما البعض.. والواقع الصعب هو أن الدبلوماسية التي لا تكون مدعومة بالقوة لا تكون فاعلة».
المعضلة حالياً هي إيجاد معادلة بين متى تستخدم القوة ومتى لا تستخدم. يمكننا أن نفترض في أمان أن الإجابة في مكان ما بين دائماً وأبداً. وربما نستطيع العودة إلى النقاش المبرر حول متى تستخدم القوة كوسيلة صحيحة.

السابق
السيناريوهات الإيرانية للمحادثات النووية فيما بعد 20 يوليو
التالي
كرم ليبيا واضطراباتها