ملف الكهرباء نحو مزيد من التأزم في الأسابيع المقبلة

هموم اقتصادية واجتماعية عديدة يعانيها المواطن في يومياته، ومنها أزمة غلاء اسعار المواد الغذائية والمحروقات والسلع الاولية، بالاضافة الى الارتفاع المستمر للأقساط التعليمية والفاتورة الاستشفائية وغيرها من المشكلات التي يكافح اللبناني في كل دقيقة لإيجاد الحلول لها والخروج منها بأقل ضرر ممكن. واليوم تعود الى الواجهة مشكلة أخرى قد يواجهها هذا الذي يوما بعد يوم تشهد حالته الاجتماعية والاقتصادية مزيدا من التدهور مع استمرار تراكم معدلات التضخم منذ أكثر من 17 عاماً من دون معالجة تأثيراتها على انخفاض قدرته الشرائية. أما الازمة اليوم فهي أزمة تتعلق بإمكان رفع تعرفة الكهرباء.

للتاريخ…
لم يشهد لبنان منذ العام 1996، أي تصحيح للأجور، باستثناء الزيادة المقطوعة التي أعطيت للقطاعين العام والخاص عام 2008 بواقع 200 ألف ليرة على الرواتب والأجور، ورفع الحد الأدنى من 300 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة ليتم بعد ذلك في مطلع 2012 تحديد الحد الأدنى الرسمي للأجر بمبلغ 868 ألف ليرة حيث تضمن هذا الحد الأدنى بدل النقل البالغة قيمته شهرياً 236 الف ليرة (وأصبح عنصرا فعلياً من الأجر إلى جانب الأجر الذي كان يتقاضاه الأجير قبل تاريخ 1/12/2011، أي تاريخ صدور القرار). وايضا إستنادا الى هذا القرار تمت إضافة زيادة غلاء معيشة إلى الأجر ومقدارها 18% على الشطر الأول منه حتى مبلغ مليون ونصف مليون ليرة و10% على الشطر الثاني منه الذي يزيد على مليون ونصف مليون ليرة ولا يتجاوز المليونين ونصف مليون ليرة.
كل هذه الارقام للتأكيد ان الحد الادنى للأجور المخصص للاستهلاك من دون تكاليف النقل لا يتخطى الـ 900 الف ليرة لبنانية، فكيف يمكن هذا المواطن ان يتحمل ضمن هذا الراتب كامل تكاليف معيشته التي من المتوقع ان ترتفع في الاسابيع المقبلة في حال إقرار زيادة التعرفة الكهربائية.

التقشف لخفض التكاليف
أزمة قطاع الكهرباء في لبنان هي أزمة مزمنة يتحمل تداعياتها المواطن اللبناني. فمع استمرار التفاوت الكبير بين الطاقة المنتجة في المعامل (بحدها الاقصى عند 1300 ميغاواط) والطلب على الاستهلاك الذي يبلغ ما بين 2500 و 3000 ميغاواط عنذ الذروة، وتحمل شركة كهرباء لبنان كلفة مرتفعة لإنتاج الطاقة تصل الى 255 الف ليرة لكل 1 ميغاواط بالساعة ، 75% منها كلفة فيول في الوقت الذي تراوح فيه متوسط هذه الكلفة عالمياً ما بين 1 يورو (2000 ل.ل) و30 يورو (62000 ل.ل.) لكل 1 ميغاواط بالساعة أُجبرت الشركة على إقرار خطة تقشفية للمساهمة في خفض التكاليف لكي تتوافق مع مخصصات الدعم المخصصة من الحكومة للشركة.
وضمن الاجراءات توقيف العمل في معملي بعلبك وصور ( الطاقة الانتاجية الاجمالية لهذين المعملين تصل الى نحو 120 ميغاواط) كونهما ينتجان على المازوت أي بتكاليف عالية جداً، بالاضافة الى وقف استجرار الطاقة من سوريا التي كانت تؤمن حوالى 130 ميغاواط من الكهرباء للبنان وتحديد ساعات التغذية في بيروت الادارية عند 21 ساعة يوميا والمناطق الأخرى بـ 13 ساعة فقط. وفي هذا السياق، تنفي مصادر في شركة كهرباء لبنان لـ”النهار” وجود أي مشاكل متعلقة في عملية الانتاج ضمن المعامل ولكن السبب الاساسي وراء التقشف الانتاجي هو عدم توافر الأموال المطلوبة لتشغيل المعامل واستجرار الطاقة من سوريا.

الزيادة المحتملة للتعرفة…
وبحسب أرقام رسمية، شهد عجز الموازنة المعدلة لـ”مؤسسة كهرباء لبنان” للسنة الجارية تراجعاً ملحوظا بلغ نحو 3173,1 مليار ليرة، وذلك نتيجة تخفيض النفقات استجابة لطلب وزارة المال. وكانت خفضت المؤسسة تقديرات نفقاتها لحوالى 4889,3 مليار ليرة، منها 3975,1 مليارا كلفة شراء المحروقات والطاقة اي ما يعادل 81,3% من إجمالي النفقات، في وقت أشارت الموازنة الى ان كلفة الرواتب والأجور والتعويضات وصلت الى 148,7 مليار ليرة تقريباً، أي ما نسبته 3,5% من إجمالي النفقات.
والسبب الاساسي وراء العجز المستمر في ميزانية “مؤسسة كهرباء لبنان” يبقى التعرفة المدعومة بنسبة 150% المقدمة لأكثر من 1٫5 مليون مشترك بالكهرباء في لبنان، حيث تعتمد المؤسسة ضمن ميزانيتها سعر ما بين 15 و 25 دولارا لبرميل النفط الواحد في الوقت الذي يبلغ سعره في السوق العالمية أكثر من 110 دولارات. وفي عملية حسابية بسيطة تكون زيادة عجز الكهرباء عند 13 مليون دولار لكل دولار تدفعه الشركة على شكل دعم للأسعار. وأيضا قدرت ميزانية شركة كهرباء لبنان قبل تعديلها أي قبل إدخال التخفيض الخاص على الإنفاق العجز بحوالى 3700 مليار ليرة أي ما نسبته 55% من عجز موازنة الدولة اللبنانية.
ومن هنا علمت “النهار” ان الحديث الجدي حول إمكان رفع أسعار التعرفة الكهربائية قد بدأ في الكواليس وظهرت علاماته الى العلن بعد إرسال “شركة كهرباء لبنان” طلبات إلى وزارة المال في تاريخ 12/6/2014 تحت رقم 271/28 لطلب الموافقة على مضاعفة أسعار استهلاك الكهرباء وعلى زيادة التعرفة، خصوصاً على الشطور الأولى التي تطاول شرائح العمال وذوي الدخل المحدود وقد اقترحت الزيادة على التعرفة على الشكل الآتي:
100 كيلو واط : من 35 ليرة إلى 100 ليرة
من 100 إلى 300 كيلو واط: من 55 ليرة إلى 100 ليرة.
من 301 كيلو واط إلى 400 كيلو واط: من 80 ليرة إلى 200 ليرة.
من 401 كيلو واط إلى 500 كيلو واط: من 120 ليرة إلى 200 ليرة.
من 501 كيلو واط إلى 600 كيلو واط: 200 ليرة.
بالاضافة الى خفض الكمية من 600 كيلو واط في الشهر التي كانت تعطى بسعر 300 ليرة إلى 300 كيلو واط.
وفي هذا السياق تكشف مصادر في مؤسسة “كهرباء لبنان” لـ”النهار” ان زيادة التعرفة أصبحت ضرورة قصوى كون التعرفة المعتمدة حالياً مبنية على أساس سعر برميل النفط عند حده الاقصى 25 دولاراً في الوقت الذي تخطى فيه حالياً سعر البرميل عالميا مستوى الـ 110 دولارات والتعرفة لا تزال ثابتة. ومن هنا تؤكد هذه المصادر ان الحل البديل لزيادة التعرفة الكهربائية هو في زيادة ساعات التقنين لتعويض بعض التكاليف الامر الذي لا يمكن المواطن اللبناني تحمله أكثر، إذ تصل ساعات التقنين في بعض المناطق الى أكثر من 13 ساعة في اليوم. وأيضا بحسب المعلومات، أنجزت مؤسسة كهرباء لبنان دراسة أكدت نتائجها ان تطبيق الزيادة على التعرفة التي تم اقتراحها يساهم في توفير حوالى 650 مليار ليرة إضافية، الامر الذي يؤدي الى تأمين ثلاث ساعات إضافية من الكهرباء.
وفي النهاية، يبقى قرار رفع التعرفة الكهربائية بانتظار موافقة وزارة الطاقة والمياه ووزارة المال.

السابق
بين تموز 2006 وتموز 2014: المقاومة الخيار الوحيد
التالي
لا اتصال من خاطفي جابر