غزّة تحت مرمى نيران الإعلام المصري

  في ظل هذه الأبواق الإعلامية الّتي تخرج لنا، يتبادر سؤال عن مهمة هؤلاء "الصحافيين"، عن خلفياتهم، عن تعاطيهم مع الحدث المصري قبل تعاطيهم مع الحدث الفلسطيني. من يؤمن بنزاهة هؤلاء، أو بأنّ لهم أيّ دور اجتماعي فعّال داخل بلدهم، قبل الانتقال إلى "التنظير" الخارجي.

لم تنج غزّة في العدوان الإسرائيلي الأخير والمستمر عليها من “نيران صديقة” صوّبها في اتّجاهها الإعلام المصري، في ما بدا أشبه بغرفة سوداء تتحضّر فيها “الأبواق الإعلامية” لإطلاق الهجمات العبثية على بلدٍ هو أساساً تحت مرمى النار، النار الّذي تلفظ كل يوم جرحى وقتلى فلسطينيين.

 

يأتينا “إعلاميون” مثل توفيق عكاشة، ليخرج ويندّد بأيّ مساعدات تتجه إلى غزّة ويتكلّم كأنّ الشعب الفلسطيني يستحق ما يحدث له، وقد ذهب الحال ببعض المذيعات أن يناشدوا اسرائيل لضرب مواقع حماس، في ما بدا أشبه برهان على “العدو”، رهان يحب على المصري أن يفهم جيداً عبثيته.

الشارع المصري، في جميع الأحوال، ليس جميعه توفيق عكاشة أو عمرو أديب أو لميس حديدي. هناك من دون شك مقالات من صحافيين مصريين استطاعوا أن يحافظوا على توازنهم وسط هذا الجنون ويكتبوا ضد اسرائيل، ومنهم هشام علّام في مقال نشر في صحيفة “المصري اليوم” ومحمد المنسي قنديل الذي نشر مقالاً تحت عنوان “الشماتة في غزة” في جريدة التحرير.

وفي ظل هذه الأبواق الإعلامية الّتي تخرج لنا، يتبادر سؤال عن مهمة هؤلاء “الصحافيين”، عن خلفياتهم، عن تعاطيهم مع الحدث المصري قبل تعاطيهم مع الحدث الفلسطيني. من يؤمن بنزاهة هؤلاء، أو بأنّ لهم أيّ دور اجتماعي فعّال داخل بلدهم، قبل الانتقال إلى “التنظير” الخارجي. ماذا يحاولون أن يفعلوا، أن يعيدوا انتاج الديكتاتوريات خوفاً من أن يركنوا جانباً؟ هذا طبعاً ليس إعلام، إنّه أمر لا يتعدّى النعيق.

تشير الأجواء المصرية الداخلية إلى أن معارضي الإخوان والرئيس المخلوع محمد مرسي يلومون “حماس” لارتباطها الوثيق بالإخوان المسلمين. حتّى أنّ البعض يضخّم المسألة والاتهامات ضد حماس ليلقي عليها مسؤولية التفجيرات الّتي حصلت في مصر، كأنّهم يغفلون عن التاريخ العريق للحركات الإسلامية داخل مصر.

ويبدو الإعلام المصري كأنّه يحاول أن يحشد الجماهير ضدّ حماس منعاً لأيّ حركات تضامنية مع فلسطين وغزة تحديداً، لأنّ مصر لا تحتاج إلى توترات جديدة ومظاهرات في الشارع ضد “السيسي”، الّذي يحاول أن يؤسّس لحكمه قواعد صلبة على أوهام الديموقراطية.

سبق ان حاول المكون المسيحي اليميني اللبناني الرهان على اسرائيل أثناء الحرب الأهلية اللبنانية ضد الفلسطيني الّذي اعتبرته السبب في “مصائبها”. الموقف المصري تجاه غزّة اليوم مشابه، بطريقة أو بأخرى، لذلك الموقف آنذاك. حاول اللبناني لوم ضعفه وتفتته على “الفلسطيني الغريب” وتعلّمت القوى اليمينية درساً بأنّ الرهان على اسرائيل لا يجدي، ليدخل المكون المسيحي في حقبة إحباط لا تزال تداعياتها مستمرة.

يجب على المصريين اليوم إعادة قراءة التاريخ اللّبناني الأسود قبل إطلاق مواقف عبثية بعيدة عن الواقع باختصار الشعب الفلسطيني في “حماس”، ولا اختصار أزمتهم بلومها على “حماس”. العالم العربي لا يحتاج إلى المزيد من الانقسامات، ولا المنابر العشوائية لإعلاميين سفهاء باتوا “أبناء مهنة” فقط لأنّ هذه المهنة باتت “تلمّ أشكالاً وألواناً” من الكتبة.

 

السابق
قضاء السويد يبقي على مذكرة الاعتقال في حق اسانج
التالي
الشماتة في غزة