ما هي الأبعاد العسكرية والسياسية لمعركة جرود السلسلة الشرقية؟

لم يكن امراً مفاجئاً أن تستمر المواجهات في جرود القلمون السورية وجرود السلسلة الشرقية اللبنانية بين القوات السورية و”حزب الله” من جهة وبين المجموعات المعارضة. فكل المؤشرات والمعلومات المتوافرة تثبت ان القرار لدى الطرفين الأولين مأخوذ بحزم لاستكمال ما يسميانه معركة “القلمون -2” على نحو ينهيان فيه الوجود العسكري المعارض أو يوجهان إليه ضربة ساحقة لا يستطيع بعدها الفعل والتأثير ويبطل ان يكون مصدر خطر كامناً حاضراً أو مستقبلاً.

هذا القرار مخطط له منذ سقوط بلدات القلمون السورية بيد القوات السورية لاعتبارات ميدانية وحسابات سياسية عدة أبرزها:
– ان الانتصار العسكري هناك يبقى منقوصاً او معرضاً للخرق ما لم يتم تحصينه بالقضاء على ما تبقى من مجموعات معارضة فالتة في جرود شاسعة نسبياً ذات تضاريس صعبة تمتد على خط يتجاوز طوله أربعة كيلومترات، ويجد بيئة حاضنة في عرسال والطفيل حيث ثمة مصادر دعم لوجستية متنوعة وغير خافية.
– ان التقديرات تشير الى ان المجموعات المعارضة ليست بالقليلة او التي يمكن غض الطرف عن نشاطها، فهي تصل الى نحو ثلاثة آلاف مقاتل عصبهم الاكبر محترف قتال.
– ان خطر هذه المجموعات ثلاثي البعد، فهو خطر محتمل لمناطق لبنانية متعددة تصل الى بلدات مثل بريتال ويونين والقاع واطرافها، وخطر ثانٍ في اتجاه بلدات القلمون نفسها، فضلا عن خطر ثالث يمكن ان يمتد الى مناطق غوطة دمشق.
إذاً “قرار” تصفية “الارث القلموني” المعارض للنظام في دمشق مأخوذ وقد بوشر العمل بتنفيذه منذ زمن من خلال الخطوات الآتية:
– واصل الطيران السوري غاراته شبه اليومية على الجرود التي تشكل مخبأ هؤلاء.
– تمت السيطرة على مواقع واماكن جردية بعيدة كانت تشكل بؤرة امان للمعارضين.
– تمت محاصرة بلدة الطفيل اللبنانية المشكلة لساناً ممتداً في داخل العمق السوري.
سواء كان ذلك عبر تنسيق خفي او غيره، فانه كانت للجيش اللبناني منذ البداية مشاركة غير مباشرة في هذه المواجهات من خلال ضبط مساحات لا يستهان بها من الجرود اللبنانية وخصوصاً في محيط بلدة عرسال وتعزيز وجوده وتمركزه هناك الى درجة ان ثمة معلومات اظهرت ان الجيش وضع نقاطأً له في مناطق وعرة لم يصل اليها سابقاً.
ولم يعد سراً ان هذا الانتشار الذي نفذه الجيش قد حقق انجازات ومكاسب تكاد تخرج عن نطاق الحصر ولا سيما لجهة القاء القبض على مسلحين كانوا يحاولون التسلل الى الاراضي اللبنانية.
وهكذا فان المجموعات السورية المعارضة المنتشرة في جرود القلمون وفي مناطق من السلسلة الشرقية، وقعت ضمن طوق ثلاثي: القوات السورية من الجهة السورية ومجموعات “حزب الله” التي عززت حضورها في مناطق جردية لبنانية عدة و مواقع الجيش اللبناني التي زوّدت تعزيزات وقوات نخبة وأوامر مشددة للضبط والربط.
ووفق المعلومات والمعطيات فان الجانب السوري اضطر في مناسبات عدة الى خفض منسوب ضغطه على هذه المجموعات بسبب انشغاله في معركة المليحة (بوابة الغوطة الشرقية)، وبسبب سعيه الى تحقيق انجازات عاجلة في داخل حلب وفي ريفها ومحيطها.
وواقع الحال هذا شجع المجموعات المعارضة والمسلحة على تجميع قواها ولمّ شتاتها والشروع في هجمات واغارات في اتجاه مواقع الجيش السوري في القلمون وفي اتجاه الجرود اللبنانية ومواقع “حزب الله” فيها.
ومن البديهي ان التمدد الميداني الكبير والمفاجئ لتنظيم “داعش” في الوسط العراقي وتهديده بغداد نفسها قد اعطى قوة دفع معنوية لهذه المجموعات المعارضة الموجودة اصلاً منذ نحو ثلاثة اعوام والتي خاض بعضها مواجهات متتالية بدءا من القصير، الى قارة، فالنبك وصولا الى يبرود وعسال الورد ورأس المعرة، ولم يعد امامها مجال للتراجع اكثر او الانتقال الى مناطق وميادين اخرى لا سيما بعدما صارت في حكم المحاصرة من كل الجهات.
– وبناء على كل هذه الاعتبارات والوقائع عاودت هذه المجموعات هجماتها واغاراتها سعيا الى بلوغ امرين:
1 – اظهار انها ما زالت تقبض على زمام المبادرة في منطقة القلمون كلها، وان الانجاز العسكري الذي هلل له الجيش السوري في تلك المنطقة هو انجاز مشكوك فيه.
2 – اظهار ان هذه المجموعات بدأت تخوض نوعأً من حرب العصابات (اضرب واهرب) ضد مواقع وحواجز ونقاط تمركز القوات السورية و”حزب الله” وخطوط امدادهما.
وتسعى هذه المجموعات الى ايجاد مناخات مفادها انها صارت في وارد استهداف اهداف في داخل الاراضي اللبنانية نفسها، وان خطرها سيصل الى مناطق محسوبة على “حزب الله”.
– في كل الاحوال الواضح، بحسب اكثر من معطى، ان الذين اتخذوا قرار انهاء الوجود المسلح في جرود القلمون والسلسلة الشرقية يتصرفون على اساس انه لا يمكن التراجع عنه مهما كانت أثمانه المادية والمعنوية لأن استمرار الوضع على ما هو فيه تهديد لانجازات سالفة ومخاطر كامنة على الوضع اللبناني برمته والبقاعي خصوصاً.
فضلاً عن ذلك بات المطلوب تخليص عرسال من واقعها الحالي ورفع القبضة عنها، وهي لن ترتفع ما دام المسلحون موجودين حيث هم.

السابق
فشلت في اختبار قيادة السيارة للمرة 110
التالي
التراجع؟