برّي: النار تزنّر لبنان فلنهبّ لإطفائها.. ولم نبلغ سن الرشد

يضع رئيس مجلس النواب نبيه بري خريطة البلدان العربية امام عينه من شمال افريقيا الى الربوع اللبنانية غير السعيدة. ويدقق في “حدود الدم” التي ترسم بين سوريا والعراق، وتقلقه بشدة مشاهد القتل والتشريد والذبح على الهوية واستعارة نيران تلتهم اليابس وما تبقى من أخضر وتثير القلق على لبنان في ظل تخبط تعيشه المؤسسات الدستورية بفعل شغور في رئاسة الجمهورية وخشيته من تمدد هذا “الفيروس” الذي يهدد مجلس النواب ووصول “شرانقه” الى طاولة اجتماعات الوزراء في السرايا الحكومية.

يشبّه بري حال لبنان في هذه الايام بمنزل تزنر النار اسواره وتحوطه الاشجار، “واذا استمرت طريقة القوى السياسية والنيابية في التعاطي وشؤون البلاد واستحقاقاتها على هذا المنوال فان “الحريق آت” اذا لم نهب جميعنا لاطفائه وتداركه كما يجب”. وفي رأيه ان “هذا الحريق لا يهدد لبنان وحده بل كل المنطقة والبلدان العربية من دون استثناء عدا المملكة المغربية”.
ويتوقف طويلاً امام مسلسل المعارك الاخيرة في جرود عرسال وعلى مقربة من الحدود اللبنانية في البقاع، الصواريخ التي أطلقت من الماري في حاصبيا وسهل ديرقانون النهر ورأس العين في صور. ويؤكد ان “امام لبنان تحديات لجبه هذه الاخطار التي تهدد حدوده وشعبه، من الضروري ان يكون الجميع على أتم الاستعداد للمساهمة في اطفاء الحريق، خصوصاً ان الباب الداخلي في البلاد مشرع على مشكلات وملفات شائكة منها وجود اللاجئين السوريين، فضلاً عن الفلسطينيين وما يترتب على هذا الامر من اعباء ونتائج وخيمة، إلى درجة ان كل لبنانيين يقابلهما لاجىء من الخارج”. لا يقدم بري هذه الصورة المأسوية من باب العنصرية، بل نتيجة لما وصلت اليه الامور من صعوبات في لبنان. ويختصر الواقع بعبارة “عندنا مشاكل الدنيا”.
لكن “الطامة الكبرى هي عند اللبنانيين انفسهم وهم اصل البلاء والابتلاء من الخارج”، على ما يقول، منتقداً التفرج والغرق في الوادي السياسي السحيق. وهو لم يتقبل الى الآن فكرة ان اللبنانيين لم يتمكنوا في المهلة الدستورية ولا بعدها من انتخاب رئيس للجمهورية مع استمرار سعي الى تعطيل الحكومة ومجلس النواب.
واذا طلبت منه رأيا صريحاً في الايام الصعبة التي يمر بها اللبنانيون، يتمهل قليلاً، بعد قوله “يا مولانا” ثم يتابع: “بكل صراحة اقول ان لبنان في حاجة الى حماية ذاتية ليحمي نفسه اولاً، ويتمثل هذا الامر باعادة كينونة الدولة وعدم ترك شعبنا بهذه الطريقة”.
ويعود الى استحقاق الرئاسة، ليقول انه اذا جرى انتخاب رئيس في سرعة وقبل فوات الاوان ورغم كل هذا التأخير، فان البلد يستعيد 90 في المئة من مناعته. وفي حال اتمام الاستحقاق تعالج الملفات المختلفة بادارة افضل واسلم وتأخذ طريقها الى التطبيق والتنفيذ، ومنها ملف اللاجئين السوريين واقله اعادة قسم منهم الى بلدهم.
وبسؤاله هل الوضع سيبقى في هذا الستاتيكو الى ايلول المقبل؟ يرد: “اي ايلول، انها مسألة ايام والا فاننا نتجه الى الاسوأ”.
وبات السؤال عما فعل من موقعه الدستوري والسياسي لانتخاب رئيس للبلاد، لكثرة المحاولات التي قام بها في هذا الشأن، وهو في الوقت نفسه لم يستسلم رغم مناخات تشاؤمية يعكسها “مرصد عين التينة” الذي يتلقى اشارات غير مشجعة وغير مطمئنة من خارج الحدود، خصوصاً مع انعكاس اي تطور سياسي او عسكري في العراق على سبيل المثال على لبنان. لا يزال رئيس المجلس يعول على خلق تقارب بين السعودية وايران رغم انه بدا مبتعداً اكثرفي الاسابيع الاخيرة بعد تمدد تنظيم “داعش” في مساحة لا بأس بها في الاراضي العراقية.
وكان عدم توصل اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن، اوصل رئيس المجلس الى خلاصة يرددها بكل اسف “نحن لم نصل بعد الى سن الرشد السياسي لا اكثر ولا اقل”. وما لم يعلنه ان الامور اصبحت في ايدي الخارج والبلدان المعنية بالملف اللبناني وان الظروف غير مؤاتية حالياً ولا تصب في مصلحة لبنان في هذا التوقيت بسبب التباعد السعودي – الايراني، الامر الذي منعه اكثر في الايام الاخيرة من الاقدام على اجراء مشاورات كان يحضر لها، وان لم يستبعدها من اجندته اذا سنحت الفرصة.
وحيال هذا المشهد يطلق بري صرخة عبر “النهار”يقول: “كل يوم يمر يعرّض لبنان لخطر محدق، وكل شهر يمر يعرّض لبنان لفراغ آخر”. ومرد تحذيره هذا الى اقتراب موعد انتهاء الولاية الممدّدة لمجلس النواب. وخشيته ان تستمر هذه المناخات وتنعكس على الانتخابات النيابية المقبلة، مع تكرار رفضه للتمديد وقبوله “ولو بقانون الستين”. ويرد على من يتهمه بالسعي الى التمديد للمجلس بـ”الكذب”. وان الخطر الاساسي يأتي “من عندياتنا”. ويحزن لطريقة التعامل مع المؤسسات الدستورية والاستمرار في عدم اقرار سلسلة الرتب والرواتب المستحقة للموظفين او بتها في المجلس، مما يرهق الخزينة ويكبدها مليارات الليرات.
ويستغرب اقدام البعض على تعطيل المؤسسات والتفرج على السلسلة ومسألة رواتب الموظفين و”اليوروبوند”، رغم تمتع الحكومة برئاسة الرئيس تمام سلام بالميثاقية المطلوبة بين المسيحيين والمسلمين. ويسقط على الواقع السياسي الراهن في المؤسسات الدستورية القول الآتي: “انت عاطل ومعطل”.
وما هو السبيل الى الانقاذ والخروج من هذه الدوامة اذا استمرالوضع على ما هو؟ يرد رئيس المجلس: “علينا اولا ً انتخاب رئيس وتعزيز مؤسساتنا الدستورية واتمام سائر الاستحقاقات بدل السير في هذا النوع من السياسات الخاطئة”. واما الاتصالات بينه وبين “تيار المستقبل”، فهي الى تقدم، وان لم تصل حتى اليوم الى خواتيمها وستؤدي في حال تحقيقها الى اعادة الروح الى الجلسات التشريعية في البرلمان.
وتبقى القراءة الاخرى في النصف الثاني من “الكوب السياسي” عند بري وفيها ان “لبنان لا يزال برعاية الله وحاله افضل من بلدان المنطقة التي يهددها التفتيت والتقسيم، تلك التجربة التي عاشها اللبنانيون نحو 15 عاماً والتي فشلت وكنت في مقدم معارضيها والرافضيها”، والضمان الاول والوحيد عنده هو الشعب اللبناني.

 

السابق
النبطية تعاني من تقنين قاسي في الكهرباء
التالي
ازاحوا كرسيه من الكنيسة … فأحرق سيارة الكاهن