بين غزّة والمونديال… ماذا يحدث في سوريا؟

غداً، بعد انتهاء ما يحدث من غزة، ستعود الجماهير لنسيان الأمر. سننتظر حرباً أخرى حتّى نعيد الحديث عن القضية الفلسطينية ونضع صورة طفل أو شاب غزاوي على صفحات "الفايسبوك". ستبقى غزة محاصرة، ومعها باقي المناطق الفلسطينية الّتي تشهد يومياً أسوأ أنواع التعسف. الأمر الوحيد الذي سيتسمر هو الاحتلال.

يفتح متصفّح الشبكة العنكبوتية مواقع التواصل الاجتماعي. يرى صورة طفلة قتيلة يحملها والدها على ذراعيه، أو ركام مكان كان يوماً حيّاً أو مبنى سكنيّ. الصورة من غزّة. لا. الصورة من سوريا. ربما تكون من العراق. يجد توصيفات مختلفة للصورة نفسها على عدة مواقع، الأوّل يقول الصورة من غزّة. الثاني يقول الصورة من سوريا.

بعض الصور تخبر عن نفسها، تظهر إشارة أو دلالة ما على مكانها. ربما لا تهم الدلالة أحياناً. يمكن دوماً نسب الصورة إلى الدم الأكثر سخونة، “الدم الطازج”. يبدو هذا المقياس للأزمات في العالم العربي. سوريا تنسي العالم فلسطين. فلسطين تنسي العالم سوريا حين يحدث عدوان على غزة. العراق يعود إلى الصدراة، ينسف كل ما قبله من مآسي. وإن كان من أمرٍ يجمع بين البلاد العربية، فهو فقط المنافسة على الدم.
قصف غزة

حين يدخل مريض ما إلى المستشفى، من أفراد العائلة أو الأصدقاء، يلتف الجميع حوله في الفترة الأولى. يقلقون. يتعاطفون. يزورون. يحضرون الهدايا. يتكلمون عنه في اجتماعاتهم الخاصة. يتهامسون وراء ظهره عبارات أسى عن الحال الذي آل إليه. لكنّهم بعد فترة، يبدأون بالسأم. تخف وتيرة الزيارات. تصبح مكالمة هاتفية كافية. حتّى الحزن يتّخذ شكلاً آخر. لنقل أنّه أصبح هناك مريض جديد في العائلة، أين سيصب الاهتمام؟
هذه المقاربة محالة لإيجاد تفسير لتعامل العرب مع مآسي حياتهم دائماً كحدث وليس كمأساة. الحدث يعبر. يمكن نسيانه بعد فترة. لكن ما يحصل في هذا الشرق منذ أكثر من أربعة أعوام ليس حدثاً. إنّه تخبّط، تخبّط أنتج قوى ظلامية أو أتاح لها أن تتاجر بالشعوب. ومتابعو الأحداث من المعنيين فيها يترقبونها كأنّها لعبة كرة قدم من ألعاب “المونديال”.
ليست غزّة السبب وراء برود الخبر السوري. الخبر السوري تحوّل عن مساره منذ فترة وبات يزداد انحرافاً. الائتلاف المعارض الذي نشأ كورقة أمل بات من تعقيدات الأزمة، لا بل الفائض عنها. لم نعد نرى صور كثيرة تندد ببشار الأسد، كأنّه نجح في فرض نفسه كأمر واقع. مجزرة الغوطة، استعمال الكيمياوي، كلها ملفات صارت في خزائن المجتمع الدولي، في ما يبدوأشبه بمعاملات حكومية لبنانية لا تبصر النور “إلا بطلوع الروح”، إن أبصرت.
غداً، في تصاعد للعنف في سوريا، تفجير كبير مثلاً أو هجوم كيمياوي آخر، أو عودة المواجهات في القلمون، كما هو حاصل الآن، سيعود سهم الخبر السوري للارتفاع. وفي تصعيد لداعش في العراق، سيعود الخبر العراقي. ويعد أربع سنوات، سيعود الجميع إلى “المونديال”.
غداً، بعد انتهاء ما يحدث من غزة، ستعود الجماهير لنسيان الأمر. سننتظر حرباً أخرى حتّى نعيد الحديث عن القضية الفلسطينية ونضع صورة طفل أو شاب غزاوي على صفحات “الفايسبوك”. ستغيب صورة الأم الفلسطينية الثكلى الّتي تزرع وروداً داخل القنابل العنقودية عن شاشاتنا. سنتوقف عن التفكير في سبل المواجهة، هذا إن كنا نفكر فعلاً بها. ستبقى غزة محاصرة، ومعها باقي المناطق الفلسطينية الّتي تشهد يومياً أسوأ أنواع التعسف. الأمر الوحيد الذي سيتسمر هو الاحتلال. ليس لشيء، بل فقط كوننا مجرد جماهير. نجلس تحت المسرح، نبدي انفعالاتنا، ونبقى لا نفعل شيئاً.

 

السابق
بالصور: ’القمر العملاق’ يُبهر العالم
التالي
الجيش الإسرائيلي يعلن ’تعليق’ نيرانه في غزة